مقاطعة الأخبار

جمال القيسي

لو توقف المواطن العربي عدة شهور عن متابعة أخبار العالم العربي، ثم عاد للاطلاع على "آخر المستجدات على الساحتين العربية والإسلامية" فسيدرك أنه لم يغادر الوقوف في مرمى المنصات الفضائية يوماً واحدًا أو بعض يوم.

سيجد أن مناطق الاستباحة الإنسانية في الدول الملتهبة ما تزال على ما هي عليه. وسيرى أن سوريا ما تزال تحت وطأة استبداد وجبروت النظام بصورة لم تعد بحاجة للأسف والصدمة وليست بحاجة إلى المزيد من التحليلات "المثيرة"، وستقع عينه على الجيش الحر يتقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، وفي أحيان كثيرة خمس خطوات إلى الخلف. وسيتأكد هذا المواطن العربي بأن تنظيم داعش على همجيته ووحشيته وأكد ويؤكد للعالم شعار دولته "باقية وتتمدد"، وسيزداد إيمان العائد لمتابعة الأخبار بأن الأرقام فقط هي التي تتغير، وتتجه نحو الازدياد. وفلسفة الأرقام لدى المواطن العربي تعني إشارات سياسية للضحايا وليست أعدادًا خطيرة جدًا، وسيطمئن نفسه بأنه يكفي أن حالة الدمار مستقرة، ورغم إقناع نفسه لنفسه أنه لا داعي للقلق من "الخطورة في جانب الأرقام" إلا أن الخطر الأعظم والأعم والداهم فإنما يتلخص باستقرار منهج الذبح الدموي، والتفجيرات اليومية، والتداخلات الجراحية الإقليمية، بمباضع الأطباء الإيرانيين والروس والأتراك والغرب وأمريكا والعرب. كل قوميات العالم، التي تمثلها دول لا تنظيمات ومليشيات، لديها رأي وموقف واضح في ما يحدث في رقعتنا الجغرافية، إلا نحن بلا رؤية ولا هدف واضح ولا موقف غير موقف الدم؛ ففي الوقت الذي تنظر فيه الدول الكبرى إلى مصلحتها، بغض النظر عن خسائرنا؛ وشرط ألا تخسر هي، فإننا في المقابل ننظر إلى تكبيد أنفسنا أبشع الخسائر كإستراتيجية نرى فيها مصالحنا، وشرط ألا ننتهي أو نرحل أو نخلع أو نهزم قبل أن نفنى جميعًا في سبيل هذه الرؤى الحصيفة.

ومصالحنا هنا يمثلها من لم يفوضهم أحد، أو صندوق انتخاب لتقرير النافع من الضار، من المشرف من المخزي، الذي لا تغسله مياه المحيطات. ومن لم يسعفه الحظ التاريخي باعتلاء كرسي حكم يستبد ويولغ فيه بدماء البشر، فليمارس دوره من خلال تنظيم أو فصيل أو جيش فتح أو كتائب قعقاعية.

كل ذلك في سبيل المصلحة الفردية، والطائفية المجنونة. وكلاهما فردية الفكرة والشخص. الفردية المجنونة التي أبادت وتبيد، وستظل على هذا العهد من الدموية حتى تتغير قواعد اللعبة الدولية بتبدل مراكز قوى، أو تعارض مفصلي في مصالح واستراتيجيات اللاعبين الرئيسيين، وفي حالة تهدد المصلحة العليا للدول التي لا تتنازل عن خلع قفازي الوقاية من الجراثيم عند تعاملها مع الأمراض الخطيرة المقززة.

بعد عدة شهور من عودة المواطن العربي لمتابعة الفضائيات، سيتيقن أن الأمور على ما هي عليه، ولا أمل يلوح ولن يلوح في ظل الحكم الشمولي في سوريا بدعم إيراني وروسي مطلق، لمصالح توسعية طائفية أتت على يابس وأخضر العراق وسوريا، وكذلك في ظل استمرار حكم بغداد المباشر من طهران، والمزاودة على كل البشر بأن العراق يطهر الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية والإدارية من الفساد.

وسيرى المنقطع عن الأخبار، أنه لم ينقطع، حين يتابع جولات المباحثات الإيرانية مع الدول الست التي صارت ثوابت إخبارية دائمة، تنتهي دائما بالإعلان عن تقدم في سير المفاوضات/ المحادثات، وتعثرها في بعض النقاط، مع التصريحات الغربية والإيرانية التي تؤكد على مواصلة السعي قدماً في الجهود الدبلوماسية، والخروج بقرارات سترضي جميع الأطراف. وسيدرك المتابع للأخبار والمنقطع عنها أن ابتسامتي كيري وظريف واحدة لم تتبدلا مطلقا، كأنها صورة أرشيفية ثابتة لا تختلف باختلاف الأجواء بين مدينة وأخرى تستقبل المحادثات السرية، ولا تتبدل رغم الاختلافات والاتفاقات.

هموم كثيرة أزاحها المواطن العربي عن صدره بالانقطاع عن سماع أخباره! ومنذ يصل إلى نتيجة عدم الضرورة للتسمر أمام الأخبار ويده على قلبه خشية جلطة قلبية، فإنه سينصح من يحب بهذه الوصفة؛ أي أن يطالع المواطن الأخبار كل ستة أشهر، وفي حال طرأ جديد إيجابي لافت أن يتابع الأنباء كل ثلاثة أشهر.

وفي المقابل، في حال تردي الأوضاع، وهذا هو الأرجح، فسينصح أحباءه بالامتناع عن مشاهدة الفضائيات سنة ثم يشجعهم على زيادة المدة رويدًا رويدًا حتى يأتي يوم يصير هو، أينما كان، محل الخبر ويشاهده الآخرون، بالضبط، مثل ما كان يهرب من صور أشقائه المجني عليهم.

تعليق عبر الفيس بوك