البلسم الشافي 8 (الجزء الثالث)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

(8)

أيها الكرماء، ذكرنا في لقائنا الماضي ما أورده كتاب (الدخيل في التفسير) من نماذج عابرة ذكرها على وجه السرعة فيما دخل التفسير من الدخيل في التفسير العلمي.وسنواصل -بإذن الله- سوق بقية كلامه؛ مع تنبيهنا على أمر؛ وهو أن إيرادنا لما قاله لا يعني بالضرورة موافقته في كل ما ذكره. يقول (بتصرف): (وتحدثوا عن خلق الشمس والقمر، ورووا كلاما في خلق الشمس والقمر، والخسوف والكسوف لا يتسع المقام لذكره تفصيلا.وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم، وابن الجوزي حكموا على ما يروى من كلامهم في هذا بأنها أحاديث باطلة.

وأيضًا هناك أحاديث في أن الله وكل بالشمس تسعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم، ولولا ذلك ما أتت الشمس على شيء إلا أحرقته. وما ذكر كلام وأحاديث ضعيفة، لم تصح.أوردوا -أيضا- كلاما عن كسوف الشمس وخسوف القمر، وأن أنوارهما موكل بها أملاك، كلام لا يصح ولا يقبل، فرووا أنه سئل ابن عباس عن المد والجذر؟ فقال: إن ملكا موكلا بناموس البحر؛ فإذا وضع رجله فاضت البحار، وإذا رفعها غاضت البحار، ينسبون المد والجذر إلى هذه الأحاديث الموضوعة التي لا تصح.والحق: أن الإمام الذهبي حكم ببطلان هذه الأخبار، وأنها أحاديث غير صحيحة، بل قال شيخنا الشيخ أبو شهبة: إنما هناك من الزنادقة من وضع أحاديث، وأكاذيب نسبوها إلى الرسول، تتعلق بالكونيات والفلكيات، وأسباب الكائنات، وكل ذلك من الأباطيل التي ذكروها.

وما يتعلق بالرعد والبرق -أيضا- معظم كتب التفاسير، ذكرت أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، وأن الصوت المسموع هو صوت زجره للسحاب، أو صوت تسبيحه، وأن البرق أثر من المخراق الذي يزجر به السحاب، أو لهب ينبعث منه، وأن الله في قوله: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه} (الرعد: 13) يقولون: إن الفلاسفة ذكروا الرعد والبرق، وأنه هذا صوت الملك، أو صوت كذا أو ضحك أو كذا، هذا كلام ساقوه، وذكره أكثر المفسرين في تفسير ظاهرة الرعد، والبرق، وهذا الكلام لا يتوافق مع الحق.

ومن العلماء من قال: إن تسبيح الرعد بلسان الحال لا بلسان المقال؛ حيث شبه دلالة الرعد على قدرة الله وعظمته، وتنزيه الله عن الشريك والعجز بالتسبيح والتنزيه، واستعار لفظ يسبح كلام ذكره المفسرون. والعلامة الألوسي قال: والذي اختاره أكثر المحدثين أن الإسناد حقيقي، الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب: "واليهود لما سألوا رسول الله، أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيده مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله -تعالى-، قالوا: فما ذلك الصوت الذي نسمعه؟ قال: صوته". وهذا الحديث إن صح يمكن حمله على التمثيل، ولا يطمئن إليه القلب، كما يقول الشيخ أبو شهبة: ولا يكاد يصدق عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، بل جعله من الإسرائيليات.

على كل حال، من الحق أن نقول: إن بعض المفسرين كانت لهم محاولات على ما كان من العلم من الظواهر في عصرهم، كتفسير الرعد والبرق، وقد تكلم ابن عطية وغير ابن عطية، والألوسي وغيرهم، والحقيقة في هذه الظواهر الكونية: ما ينبغي أن يحمل القرآن إلا على الحق.

ونختم بما كان يقوله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند سماع الرعد والبرق: عن ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وقال: إذا سمعتم الرعد فسبحوا، ولا تكبروا، وكان يقول إذا سمع الرعد: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) يقول الشيخ أبو شهبة: فهذا هو اللائق برسول الله وبعصمته). وللموضوع تتمة بمشيئة الله تعالى.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)

تعليق عبر الفيس بوك