مقاطع الشهرة القصيرة

أسماء القطيبي

إن طريق الشهرة الذي كان من أشق الطرق سلوكا، والذي لم يكن تصل إليه إلا قلة قليلة إما بالجهد والإنجاز، أو الحظ والصدفة، أصبح اليوم من أسهل الطرق سلوكا. فيكفي أن يكون الشخص متفرغا، ولديه مقدار من الكاريزما حتى يسطع نجمه ويذكر اسمه. برامج مقاطع الفيديو القصيرة -التي لا تتجاوز الدقائق- خلقت أسماء كثيرة استطاع أصحابها أن يلفتوا الانتباه من خلال مواضيعهم وأساليبهم ومشاريعهم التي بدأت بأفكار ودعوات وتحولت لاحقا إلى واقع ملموس. البعض اختار أن يتحدث في مجال معين فركز في مقاطعه على تحقيق تلك الغاية، بينما البعض الآخر يتشارك مع متابعيه في مواكبة كل جديد بقالب فكاهي غالبا. واستغل بعض مشاهير التلفزيون والسينما هذه الفرصة الثمينة في التواصل مع جماهيرهم بشكل أقرب من خلال عرض يومياتهم وجديد أعمالهم.

مشاركة الشباب والشابات العمانيين في مثل هذه البرامج من خلال نشر الفيديوهات وتكوين قاعدة متابعين كبيرة محدود، خاصة إذا ما قارناه ببعض الدول الخليجية الأخرى، لكن يمكننا القول أنّ هناك مجموعة لابأس بها، يتم تداول مقاطعها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر ويتابعها آلاف العمانيين وغيرهم. وإذا ما تساءلنا أي شخص من هؤلاء هو الأكثر شهرة وإحداثا للضجة؟ فبالطبع أول ما يتبادر إلى الذهن، نعيمة المقبالي، الفتاة التي تقدم نفسها على أنّها ملكة جمال عمان. ولأكون منصفة منذ البداية فأنا لست ضد أن يعبر أيا كان عن فردانيته وأفكاره وشخصيته في برامج الشهرة السريعة هذه، لكنني ضد أن ينصب أحدهم نفسه ممثلا لبلاد معينة أو منطقة أو قبيلة بعينها، أو أن يستغل هذه الأمور مجتمعة كأدوات جذب للمتابعين كما تفعل هذه الفتاة. فالتباهي بالنسب أو المكان بشكل دائم دليل على إفلاس في رصيد الإنجازات الشخصية، وعجز عن تحقيق الذات، خاصة إذا لم يقدم هذا الشخص ما يخدم مجتمعه أو يساهم في إحداث تغيير فيه.

الأمر الآخر الذي اجده مستفزا ألا هدفًا واضحا لكل ما تقوم به هذه الفتاة، فهي تتحدث في كل شيء تقريبا، فهي رياضية تارة من خلال تشجيعها لعدة أندية وفرق، ومحللة سياسية تارة أخرى بآرائها حول الأوضاع في المنطقة العربية، وجميلة الجميلات تارات كثيرة، ولها في كل وادي مشرب. إنها غير متوقعة فهي تأتي كل يوم بجديد تحاول فيه إثارة البلبلة. لم توجه شهرتها نحو قضيّة معينة أو عمل إنساني نبيل، ولم تسعَ لتطوير شخصها بدل تطوير أساليبها في لفت الانتباه والتي زادت حدتها في الفترة الأخيرة بشكل واضح، معبرة عن مرحلة جديدة من التمرّد وكسر الحواجز محققة مزيدا من المتابعات والتعليقات.

ورغم سيل الانتقادات التي تتعرض له فتاة السناب شات والأنستجرام إلا أنها تعزو كل ذلك إلى الغيرة والحسد وعجز هؤلاء المنتقدين عن الوصول لما وصلت إليه من مجد. لذا فهي لا يمكن أن تنظر إلى أي رأي لا يمتدحها بإنصاف. قد يكون التوهم بالعظمة هو وحده ما يجعل شخصا مثلها يصمد كل هذه الفترة رغم الضغط النفسي الكبير الذي تتعرض له، وتعيدني الذاكرة إلى نموذج خليجي كان قد وصل لأقصى درجات النرجسية وهي سلوى المطيري، التي عزا البعض حالتها إلى المرض النفسي الذي يحتاج لتدخل طبي. والتي لسبب أو لآخر ابتعدت عن الأضواء، دون ترك أي أثر، لينساها المتابعون كما نسي غيرها من مشاهير المقاطع القصيرة ليحل في الذاكرة غيرهم بسهولة.

إنّ ملكة جمال عمان ليست إلا نموذجًا لا أتمنى تكراره، فرغم أنها نموذج غير مؤذ، إلا أنه من المؤسف أن يجعل شاب أو فتاة الشهرة هدفا بحد ذاتها مستخدما كل الطرق للوصول لها كاشفًا عن ثقافته الضحلة وفقره المعرفي. كما أنه من المؤسف-جدا- أن يستمتع احدهم بكونه مثارًا للسخرية والإشاعات ويعد ذلك ضريبة للنجاح - الذي لا وجود له-.

إن الحرية لا تعفي الشخص من المسؤولية. هذا ما يجب أن يستوعبه المراهقون والشباب الذين يخططون لخوض هذه التجربة المثيرة. قرار الشخص بالظهور يعني أن يكون مسؤولا عن تصرفاته، واضحا في أهدافه، ويحمل على الأقل عدة مبادئ ينطلق منها في الحديث حول ما يريد. وإلا فإن عمر وجوده في ذاكرة التاريخ سيكون بعمر مقاطعه القصيرة.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك