المشروع الوطني للإسكان "صروح"

 

خلفان الطوقي

انتشرت قبل عدة أيام نشرة توضيحية لإحدى مبادرات وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بعنوان "المبادرة الوطنية للأحياء السكنية المتكاملة"، ومن الواضح أنها ستكون إحدى البدائل والحلول المطروحة من الحكومة لحل إشكالية توزيع الأراضي للمواطنين وقد وصلت أعداد الطلبات حتى منتصف شهر أكتوبر إلى أكثر من 210 آلاف في 3 محافظات دون احتساب 8 محافظات أخرى من محافظات السلطنة.

المبادرة الوطنية "صروح" الإسكانية تستهدف بناء 4800 وحدة سكنية لعدد 2400 شخص في خمسة أحياء في 3 محافظات من محافظات السلطنة، و3 من هذه الأحياء في محافظة مسقط (تحديدًا ولايتي العامرات والسيب)، ومجمع سكني متكامل في محافظة الداخلية بولاية بدبد، وحي آخر في ولاية نخل (منطقة حلبان)، على أن تضم هذه الأحياء بنية إنشائية متكاملة من شوارع وكهرباء ومياه واتصالات وإنارة ومجاري ومساحات خضراء وباقي الخدمات الضرورية التي يحتاج إليها الساكن في ذلك الحي، وخيارات متعددة حسب القدرة المالية من شقة سكنية أو فيلا متصلة أو شبه متصلة أو فيلا منفصلة بمساحات منوعة من 145 وتصل إلى 260 مترًا مربعًا.

ولهذه المبادرة مزايا يمكن أن نسميها أبعادا مستقبلية استراتيجية وتحديات، أما بالنسبة للأبعاد فهي كما يلي:

البعد المجتمعي: ويكمن أن الأولوية الأولى للمستحقين لهذه الوحدات هم من أهالي المحافظات أو المناطق القريبة منها، بحيث يكون مرتبطا نسبيا مع العائلة الكبيرة والمعارف السابقين، وضمان سرعة استقرار الأسر عندما تتوافر لهم البنية التحتية بالإضافة إلى الخدمات العامة من متاجر أساسية ومساحات خضراء عامة شاسعة ومصلى وغيرها من الخدمات الضرورية.

البعد الاقتصادي: ويكمن في أن المشروع هو عبارة عن شراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وجمعية الملاك، وهذا أسلوب عصري يطبق في هذا النوع من المشاريع، ومعلوم أن الشراكة سوف تفتح آفاقا وتنافسا بين مطوري العقارات لإيجاد أفضل الحلول للفوز بالمزايدة وإقناع الحكومة بهذه الحلول الابتكارية التي تحل أزمة الإسكان، كما إن شركات مطوري العقارات سوف تنشط اقتصاديا من جديد، وبالتالي سوف تنشط معها الشركات الصغيرة والمتوسطة المقدمة للخدمات، كما إن نوعية وحجم هذه المشاريع سوف يركز على المنتج والمحتوى الوطني الداعم للبيئة الاستثمارية المحلية.

البعد العمراني: من الملاحظ وجود تشوهات عمرانية معقدة وعميقة في معظم أحياء السلطنة، ولهذا لن يكون مقبولا الاستمرار على هذا النهج غير الأخلاقي خاصة لأجيال المستقبل، عليه فمن الضروري إيجاد حلول عمرانية عصرية قبل أن تتحول الأحياء العمانية إلى عشوائيات تشيخ وتتقادم بعد عامين أو ثلاثة من إنشائها، وإن قبل البعض عشوائيات ما سبق، فجيل المستقبل لن يقبلها.

البعد الجمالي: أن تعيش في حي سكني به كامل البنى التحتية والخدمات من كهرباء ومياه وشوارع وإنارة ومداخل ومخارج ومساحات خضراء وغيرها يختلف تماماً عن حي سكني به خدمة واحدة أو اثنتين، وفاقد لباقي الخدمات، وتأثير هذا البعد يمتد إلى الصحة النفسية، والبعد عن الضغوطات الحياتية في تعقب باقي الخدمات غير المتوفرة.

البعد التنموي: نقص الخدمات الأساسية والتشوهات العمرانية في أي حي سكني يخلق حياة مشوهة، وأسرا مشتتة ومنغصات يومية، وعمان عازمة على تحقيق رؤية عصرية طموحة، ولا يمكن لها أن تستمر في تحديث مخططات بعيدة نائية ومكلفة ماليا وعمرانيا وخدماتيا، ومن المستحيل أن تصلها الخدمات ولو بعد عشرات السنوات، ولن يتم تعميرها ولو بعد سنوات.

البعد التمويلي: تأخر الخدمات يعني كلفة مالية وكلفة تخطيط وكلفة وقت، على الفرد وعلى الحكومة معا، أضف إلى ذلك سهولة تمويل الحكومة لدعم المواطنين من الناحية المباشرة وغير المباشرة، المباشرة تكون من خلال تسهيل وتنمية عمليات وأدوات تمويل مدعومة، ومن خلال توفير خدمات البنى التحتية وباقي الخدمات، أضف إلى ذلك الأبعاد الأمنية التي يضمن تقديم خدمة الأمن والأمان داخل وخارج هذه المجمعات.

ومن ثم تبقى هناك تحديات؛ ومنها: توصيل الرسالة الحكومية إلى المواطنين، وإزالة الهواجس وأهمها: أين يكمن الدعم؟ وماذا عن الخصوصية في السكن أو التعمير النوعي؟ والتخوف من نمطية البناء التقليدي والابتعاد عن الإبداع؟ ومصاريف الصيانة السنوية؟ والتخوف من الكلفة المالية لشركات التطوير العقاري؟ والحماية الحكومية من استغلال هذه الشركات؟ وعلى الفريق الإعلامي الحكومي أن يرصد كل الهواجس المتوقعة، وكيفية تكوين الرسالة المؤثرة التي تزيل هواجسهم.

ختامًا.. لنا خياران: إما الاستمرار في الحلول التقليدية، والاستمرار في توزيع الأراضي بغض النظر عن بعدها عن الخدمات ومدى الانتظار لوصولها، أو تبني حلول مجربة عصرية عالمية مبتكرة.. ويبقى لنا الخيار!