◄ نودّع 2025 ونحن أكثر نضجًا، وأكثر وعيًا بأنَّ السنوات لا تُقاس بعدد إنجازاتها فقط؛ بل بعمق دروسها... نودّعه وفي القلب حنين، وفي العقل خطط، وفي الروح عهد بأن نستمر وننجح
فايزة سويلم الكلبانية
حين نُودّع 2025، لا نفعل ذلك على عجل؛ فهذه السنة لم تكن عابرة في حياتي، بل كانت ثقيلة بالإنجاز، مُثقلة بالفقد، ومفتوحة على أسئلة أعمق عن المعنى والاستمرار.
على الصعيد الشخصي، كان 2025 عامًا أثبت لي أن التعب لا يذهب سدى، وأنَّ الإصرار حين يقترن بالإيمان يتحوّل إلى نتائج ملموسة. أنجزت، وتقدّمت، وراكمت خبرة ونضجًا، وكنت أكثر وعيًا بذاتي وبما أريد أن أكونه. لكن وسط هذا الضوء، كان هناك ظلّ كبير لا يمكن تجاوزه… رحيل أبي.
رحل أبي، وترك في القلب فراغًا لا يملأه شيء. لم يكن أبًا عاديًا؛ بل كان مدرسة في الصبر، ومرآة للقيم، وطمأنينة تمشي على قدمين. كان الحضور الذي يمنح القوة دون كلام، والدعاء الذي يسبق الخطوة، واليقين الذي يجعل الطريق أقل وعورة. حين توفاه الله، أدركت أن بعض الخسارات لا تُعوَّض، لكنها تُحمَل. أحمله اليوم في قلبي، في قراراتي، في طموحي، وأعاهده أن أواصل مشوار النجاح والتميّز الذي علّمني معناه، وأن يكون اسمه حاضرًا في كل إنجاز، ودعائي له سابقًا لكل خطوة. رحمك الله يا أبي، وجعل مثواك الجنة.
محليًا، حملت سلطنة عُمان في 2025 ملامح ثبات ورؤية. عامٌ تكرّست فيه مسارات التمكين، واستمر فيه العمل على تنويع الاقتصاد، وتعزيز دور الشباب، وتطوير البنية الأساسية، لا سيما في قطاعات التقنية، والاتصال، والاستثمار. عُمان بدت هادئة في أدائها، عميقة في تخطيطها، واثقة في خطواتها، تمضي دون ضجيج، لكنها تعرف تمامًا إلى أين تتجه. ومع اقتراب 2026، نترقّب عامًا أكثر تسارعًا في جني ثمار الرؤية، وأكثر حضورًا للطاقات الوطنية في مواقع التأثير، وأوسع أفقًا للشراكات والفرص.
إقليميًا، كان 2025 عامًا مثقلًا بالتحديات، متخمًا بالتحولات. المنطقة واصلت العيش على إيقاع التوترات، ومحاولات إعادة التوازن، وصراع المصالح، فيما ظل الإنسان العربي في قلب المعادلة، يدفع ثمن السياسة، وينتظر أفقًا أكثر استقرارًا وعدالة. ومع ذلك، لم تغب محاولات البناء، ولا إرادة الحياة، ولا الأمل في أن يكون القادم أقل قسوة.
ولا يمكن أن نودّع 2025 دون أن نقف أمام غزة… الجرح المفتوح في ضمير العالم. غزة التي دفعت ثمن الصمت الدولي، وفقدت أبناءها شهداء بالعشرات والآلاف، أطفالًا ونساءً وأحلامًا لم تكتمل. في 2025، لم تكن فلسطين خبرًا عابرًا، بل كانت اختبارًا قاسيًا للإنسانية، ومرآة فاضحة للعدالة حين تُغيَّب. شهداء غزة لم يرحلوا عبثًا، بل كتبوا بدمائهم معنى الصمود، وذكّروا العالم بأن الحق لا يموت مهما طال الظلم. لهم الرحمة، ولأرضهم السلام الذي يليق بتضحياتهم، وللقضية وعدٌ لا يسقط بالتقادم.
أما عالميًا، فقد مرّ 2025 كاشفًا أكثر من كونه مفاجئًا. عالم متعب من الحروب، قَلِق من الاقتصاد، متسارع في التكنولوجيا، ومربك في القيم. الذكاء الاصطناعي تقدّم بخطى هائلة، المناخ فرض حضوره كتهديد حقيقي، والإنسان ظلّ يبحث عن توازن بين السرعة والمعنى. كان عامًا يؤكد أن العالم بحاجة إلى حكمة بقدر حاجته إلى قوة، وإلى إنسانية بقدر حاجته إلى ابتكار.
نودّع 2025 ونحن أكثر نضجًا، وأكثر وعيًا بأن السنوات لا تُقاس بعدد إنجازاتها فقط، بل بعمق دروسها. نودّعه وفي القلب حنين، وفي العقل خطط، وفي الروح عهد: أن نستمر، رغم الفقد، أن ننجح، رغم التعب، وأن نحمل من نحبهم معنا… حتى وهم غائبون.
مرحبًا 2026، عامٌ نريده أوضح، أصدق، وأقرب لما نستحق.
