وليد الخفيف
أُقدِّر في مستهل الحديث الجهود المضنية التي بذلها لاعبو الأحمر العُماني، والتي أثمرت ظهور فريق منظم ومتماسك بخطوط مُتقاربة، وأشيد بما قدّموه من عطاءٍ صادقٍ وكفاحٍ نبيل، مُثمِّنًا حبّات العرق التي روت عشب ملعب جاسم بن حمد، غير أنّ تفاصيل صغيرة كانت كفيلة بتبديد حلم التأهّل المباشر للمونديال؛ بعضها فني، وأخرى ترتبط بغياب حيادية "الفيفا"، التي تخلو رفوفها من دواء الشفافية وعقار النزاهة والحياد.
أؤمن بأنَّ اختيار القائمة حقٌّ أصيل للمدرب كارلوس كيروش، غير أنه- فيما يبدو- نسي استدعاء المنذر العلوي، ليخسر الأحمر أحد أبرز لاعبيه في التحولات الهجومية وتنفيذ المرتدات السريعة، في وقتٍ تراجع فيه الأداء الهجومي لعبدالرحمن المشيفري، كما غاب عن حساباته حمد الحبسي الذي يمتلك حلولًا فردية فعّالة في الجبهة اليسرى.
المنتخب العُماني الذي أغلق مع كيروش الممرات الآمنة، استعدّ بصورة أفضل من منافسيه عبر المشاركة في بطولة وسط آسيا، غير أن خيوط الاستفادة من تلك التجربة لم تظهر بوضوح في الدوحة؛ فلم يشارك عاهد المشايخي- أحد أبرز الوجوه الجديدة- في أيٍّ من المباراتين، بينما شارك أرشد العلوي رغم غيابه عن وسط آسيا للإصابة، وشارك عبدالله فواز بعد أداءٍ مميز في البطولة الودية لكنه لم يقدّم ذات المستوى أمام قطر. وهكذا ظلّت تشكيلة شيلافي تنتقل من مدربٍ إلى آخر دون أن تُمسّ، وكأنها إرثٌ ثابت يتوارثه المدربون دون تعديل.
ورغم أن كيروش درس منافسيه بعناية، إلّا أن حساباته افتقدت جانبًا من الدقة؛ إذ لم يُحسن استغلال تراجع المستوى الفني للمنتخب القطري، فآثر الانكفاء الدفاعي الكامل دون أي مبادرة هجومية منظمة. فظهر الأحمر بمنظومة دفاعية منضبطة، لكن التكتيك الهجومي غاب تمامًا، فبدت المباراة بملامح هيمنة قطرية على معظم المؤشرات التحليلية، بينما كان الوجه الإيجابي الوحيد هو الروح القتالية والانضباط الدفاعي تنفيذاً لتعليمات كيروش الباحث عن التعادل، حتى نال مراده.
وأمام الإمارات، ارتدى الأحمر ثوبًا مختلفًا؛ استحواذٌ وسيطرةٌ وتسجيلٌ في الشوط الأول، مدعومًا بحماسٍ جماهيريٍّ أحمر يقابله هدوء في المدرج الأبيض الذي تنفّس الصعداء في الشوط الثاني.
التغييرات وثقل مقعد البدلاء منحا الأبيض الإماراتي الشقيق فرصة العودة المتأخرة. وخذلت اللياقة البدنية لاعبي الأحمر المجهدين بفعل فاعل، فانخفض التركيز وكثرت الأخطاء، ومع خروج أمجد الحارثي ودخول محمود مبروك فَقَد الفريق السيطرة على الجبهة اليمنى التي أصبحت مفتوحة أمام الهجمات الإماراتية، وتنازل المخيني عن قفاز الإجادة في الهدفين، ويتحمّل جانبًا من المسؤولية.
ويُعزى الضغط الإماراتي إلى القراءة الدقيقة من كوزمين، مقابل تراجعٍ مبالغٍ فيه من كيروش وتأخرٍ في إجراء التغييرات، رغم وضوح علامات الإرهاق على اللاعبين المرهقين بتوجيهات "الفيفا". وكان التبديل بين الغافري وعصام الصبحي تغييرًا تقليديًا باهتًا؛ إذ لم يقدّم الغافري أوراق اعتماده حتى الآن، وربما كان الأنسب الدفع بلاعبٍ يحتفظ بالكرة أو بمهاجمٍ وهمي يزيد الكثافة في منتصف الملعب، فالاعتماد على الدفاع المتأخر طوال شوطٍ كامل كان مقامرةً خاسرة؛ إذ لم يمنح المدرب الثقة الكافية لقدرات لاعبيه الهجومية، وعندما تحرّر الأحمر وهاجم بعد التأخر، نجح في خلق ثلاث فرصٍ حقيقية في ربع ساعة كشفت ضعف الدفاع الإماراتي، وأثبتت أن الأحمر كان قادرًا على الحسم لو تجرّع كيروش ترياق الشجاعة الهجومية وارتدى عباءة التكتيك المتوازن.
أما "الفيفا" فهو- دون مواربة- شريكٌ رئيسيٌّ في تبخّر الحلم؛ إذ ابتدع الاتحاد الدولي نظام الملحق الإقصائي غير العادل، وغيّر معايير الدول المستضيفة بعد انطلاق البطولة في مخالفةٍ صريحة للوائح التنظيمية الأولية، كما غابت العدالة في جدول المباريات الذي منح قطر راحة تمتدّ لستة أيام، مقابل 72 ساعة فقط للأحمر المكافح الذي واجه الإمارات مُنهكًا بعد لقاء قطر، فيما دخل منافسوه مبارياتهم وهم يعرفون مسبقًا ما يحتاجونه من النتيجة!
وكان لزامًا على الاتحاد العُماني لكرة القدم أن يحتج رسميًا على تلك الإجراءات الجائرة، وأن يصعّد الموقف إلى محكمة التحكيم الرياضي (كاس)، وأن يوجّه خطاب اعتراض رسمي إلى اللجنة الأولمبية الدولية، بل وأن يطرح القضية على الرأي العام خارج أسوار السلطنة، دفاعًا عن مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، على الأقل في مواعيد الراحة بين المنتخبات.
ختامًا.. تبقى التحية مستحقّة للاعبين والجهازين الفني والإداري على عطائهم وكفاحهم الكاملين، والتقدير موصولٌ للجمهور العُماني الراقي الذي زحف خلف منتخب بلاده مؤمنًا بحظوظه، مدافعًا عن ألوان وطنه بكل حبٍّ وإخلاصٍ؛ فالأحمر خسر معركة، لكنه سيعود يومًا لينتصر.