الحوكمة الغائبة

 

 

 

وليد الخفيف

 

هي ذات الخطوات الأولى… ذات الوعود… ذات الحكاية، ثم نرفع أبصارنا في آخر الطريق نرجو أن يختلف المشهد! العبارة تختصر مشهد انطلاق الدوري العُماني، فليس من الحكمة أن ننفذ نفس المقدمات وننتظر نتائج جديدة! فلا جديد يلوح في الأفق مع انطلاق المسابقة، ولا بارقة أمل تبشر بماء يروي الظمآن للماضين في طريق السراب المحفوف بالأوهام!

فتجميد النشاط يتمدد كالنار في الهشيم، ومنتج الأندية يضعف ويتهالك، ومكافأة بطل الدوري بسيطة لا تليق بمشقة موسم طويل، ومحترفو الدوري متواضعون، والتعاطي الإعلامي تقليدي، وملف التسويق في تراجع، ولم تجد مسكنات السحوبات والجوائز نفعًا لمواجهة العزوف الجماهيري!

وإزاء هذه التحديات التي يتعين أن يواجهها القائمون على شؤون المنظومة الكروية (الوزارة- الاتحاد- الأندية)، لم تكن هناك إجراءات جديدة ولا تدابير مغايرة! بل زاد الأمر تعقيدًا على الاتحاد والأندية بـ"تردد" شركة "عُمانتل" في مواصلة رعايتها للدوري، رغم ريادتها لقطاع الاتصالات في سلطنة عُمان واعتبارها أحد شرايين الاقتصاد الوطني؛ الأمر الذي يلزمها الوفاء بمسؤوليتها المجتمعية، عوضًا عن الغياب الغريب لكبرى شركات النفط والغاز والقطاع المصرفي!

إن أزمة تجميد النشاط تمددت حتى تراجع عدد الأندية المشاركة في مسابقات الاتحاد إلى 21 ناديًا فقط على مستوى الفريق الأول، وأضحت مسابقة دوري الدرجة الأولى مهددة بالإلغاء في المواسم القادمة بعدما تراجع عدد المشاركين فيها إلى 7 أندية، على غرار إلغاء دوري الدرجة الثانية.

والسؤال المطروح: هل أنعشت الأندية التي جمدت نشاطها من قبل سنوات خزائنها؟ هل تطورت وزاد عدد مصادر دخلها واستثماراتها؟ فهل جنت شيئًا بعدما أوصدت أبوابها؟

والسؤال للوزارة: ما الإجراءات التي اتخذت لمواجهة أزمة تجميد الأنشطة؟

يُخطئ من يعتقد أن المشكلة مالية من الدرجة الأولى؛ فالإمكانات المالية متاحة وكافية لانطلاق موسم كروي جيد يُثمر مستويات فنية أفضل، لكننا نحتاج إلى الحوكمة المعنية بحسن إدارة الأموال، وإعادة ترتيب الأولويات، كمخرج أصيل من دراسة الواقع وتحليل البيانات عن الأنشطة التي ينفق عليها جانب كبير من الموازنات دون عوائد حقيقية على المستوى الفني أو الاقتصادي مع غياب القيمة المضافة.

فهل من الحوكمة أن تُسخَّر لـ"طواف عُمان" الملايين كفعالية لمدة أيام، بينما يحصل بطل الدوري بعد موسم شاق ومجتهد فنيًا وماليًا على 50 ألف ريال عُماني؟! هل من الحوكمة أن تُوجّه الملايين لاستضافة مسابقات وفعاليات مثل دورة الألعاب الشاطئية، التي لم ُيقبل أحد قبل عقد من الزمان على استضافتها، ونغض الطرف عن التحديات التي تواجه الأندية وتؤرق ملف كرة القدم الذي يعد الوجهة الحقيقية للرياضة العُمانية؟

نحن بحاجة ضرورية لإعادة النظر في الموازنات الموجهة للحفلات، والمبالغة في تنظيم عدد كبير من حلقات العمل والندوات التي تناقش موضوعات تقليدية لم تعد من مقتضيات المرحلة ولا من أهدافها، دون تنفيذ مخرجاتها أو توصياتها.

لن أصف المرض وأُسهب في شرح ألمه وأعراضه وأوجاعه دون علاج يشفي كما كتب بعضهم أو قال معظمهم؛ فالحل متاح دون الحاجة لطلب موازنات مالية جديدة؛ حيث إن إعادة ترتيب الأولويات وتطبيق الحوكمة، وتحليل البيانات الصادرة عن بعض الاستضافات بشفافية، تشكّل خطة إنقاذ عاجلة لتطوير مسابقة الدوري.. إذ تشفع بتغيير واقع الأندية العُمانية وإنعاش وضعها المالي إذا ما وجهت لها تلك الموازنات، تزامنًا مع التدخل المباشر لتوقيع شراكات استراتيجية مستدامة مع الشركات المنضوية تحت مظلة جهاز الاستثمار العُماني وشركات القطاع الخاص التي تحقق أرباحًا، دون القيام بدورها المجتمعي تجاه شريحة واسعة من المجتمع، وتفعيل صندوق دعم الأنشطة لتحقيق الاستدامة المالية.

إنَّ الحلول ستواجهها قوى الرفض، ولكن كرة القدم في مفترق طرق، ولم يعد ترحيل الأزمات وتأجيل النظر لها حلًا؛ بل بات خطرًا يحدق بها، ولا بُد من تدابير وإجراءات مباشرة وحاسمة على الأرض، تضمن تصحيح المسار بما يُلبِّي الطموح، وتحقيق نجاح كروي موازٍ للنجاحات التنموية التي تشهدها سلطنة عُمان في مختلف القطاعات والاصعدة في عهد نهضتها المُتجدِّدة.

الأكثر قراءة