حين نكبر

 

 

ريم الحامدية

reem@alroya.info


حين كبرنا، لم نعد نركض خلف النجاح كما كنا نفعل سابقًا، صرنا نُصغي له، نُصغي للحكايات التي لم تُختصر، وللأصوات التي لم تصعد المنصّات، وللطرق الطويلة التي لم تنتهِ بصورة واحدة.

نصغي للتفاصيل التي تبدو صغيرة، لكنها تصنع الفرق كـ لحظة تردد، ابتسامة أمل، تعب يتغلغل في العظام، حلم صغير يتحول إلى واقع كبير.

كبرنا، فأدركنا أن النجاح ليس لحظة تتويج فقط؛ بل مسار كامل، فيه تعب لا يُرى،

وصبر لا يُحتفى به، ومحاولات لا يصفّق لها أحد، وفي هذا المسار، كل خطوة، مهما كانت بسيطة، لها صدى في القلب، تغرس جذور القوة، وتعلّمنا كيف نرتقي فوق كل ما يثقلنا.

أتلذّذ اليوم، فعلًا وأنا أستمع إلى الناجحين وهم يحكون عن بداياتهم، عن ارتباكهم الأول، عن شكّهم في أنفسهم، عن محاولاتهم التي فشلت، ثم فشلت مرة أخرى… قبل أن تنجح.

أتلذّذ ليس بالنتيجة؛ بل بالطريق، بالكفاح، وبالصدق الذي لا يظهر إلّا حين يهدأ الضوء، أتلذّذ واستمتع بالقصص التي تحمل رائحة التعب والصمت، ودفء الأمل الذي لا يموت، بالأرواح التي قررت الاستمرار رغم كل العواصف.

ما تعلّمناه مع الوقت، أن بعض الناس ناجحين حتى وإن لم يتوّجوا، وأن بعض القصص عظيمة حتى وإن لم تُكتب في العناوين.

النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الجوائز، بل بقدرتك على الاستمرار، وبشجاعتك على المحاولة، وبصدقك مع نفسك وأحلامك.

أصبحنا نرى أن بعض الانتصارات تحدث داخل القلب، قبل أن تراها العيون، وأن بعض التضحيات تبقى حكاية صامتة، لكنها أبلغ من أي كلمة.

كبرنا، فصار دعم الآخرين متعة خالصة، نفرح لنجاحهم وكأنه لنا، ونحتفي بتقدمهم حتى لو سبقونا بخطوات، لم نعد نرى النجاح سباقًا؛ بل رحلة جماعية، كل منّا يحمل الآخر، وكل إنجاز يُضيف ضوءًا جديدًا للطريق.

وأصبحنا نعرف معنى أن نرفع يدًا لأحدهم، ونحتفل بصمته قبل صوته، وبمشواره قبل نتيجته، وبالنية قبل الجائزة.

حين نكبر، نفهم أن أجمل ما في النجاح أنه لا يُنقصنا حين يحققه غيرنا؛ بل يُغنينا، وأن دعم الناس، والإيمان بقدرتهم، هو شكل ناضج من أشكال الامتنان للحياة، ولكل نفس كافحت وأضاءت الطريق للآخرين، ولكل حلم لم يمت رغم كل الصعاب.

وأكاد أجزم أن الأغلبية يشعرون أنهم لا يبحثون عن  الظهور على المنصة، ولا عن التصفيق، ولا عن لقب يسبق أسمائهم، ما يبحثون عنه اليوم هو هذا الشعور: أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، مخلصين لطريقهم، وممتنين لكل قصة نجاح يسمعونها، سواء انتهت بتتويج… أو انتهت بمحاولة شريفة.

أصبحت أستمتع برؤية النور يتشكل في أعين الآخرين، أستمتع بالخطوات التي لم تُعلن بعد، وباللحظات التي تصنع القلوب قبل العيون.

ربما هذا ما يعنيه أن نكبر فعلًا؛ أن نُحب النجاح، لا لأنه يلمع؛ بل لأنه يُشبه الإنسان، ويحمل في طياته كل الشجاعة، والإصرار، والحياة الحقيقية التي تستحق أن تُحكى.

الأكثر قراءة

z