مستشفى قريات

 

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

في سماء النهضة العُمانية المُتجددة التي أرسى دعائمها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- حيث تتكامل مبادئ الأصالة مع رؤى المستقبل المشرق، تتألق الرعاية الصحية بوصفها تاجًا يعلو جبين الوطن كدليل حيّ على أن الإنسان في هذا البلد المعطاء ليس مجرد رقم في سجلات التنمية، بل هو جوهرها وروحها ومعناها العميق.

ومن أجله، أرست حكومتنا الرشيدة دعائم المنظومة الصحية، لتمد خيوط نورها إلى كل موطن يعيش فيه كل إنسان عماني من قرى سفوح الجبال الشاهقة، الى القرى الساكنة في الصحراء، ومن المدن النابضة بالحياة إلى مدن السواحل. فلم تجعل الصحة امتيازًا؛ بل جعلتها حقًا أصيلًا ينبض في قلب كل مواطن.

وما يميّز التجربة الصحية العُمانية أن جوهرها إنساني قبل أن يكون تقنيًا، وروحها تنموية قبل أن تكون علاجية. فهنا تُبنى المستشفيات لا لتكون مباني صامتة، بل منارات للشفاء؛ وتُنشأ المراكز التخصصية لا لتكون هياكل من حجر، بل جسورًا تمتد بين الدولة وأبنائها؛ فتُعزَّز ثقافة الصحة؛ بل وتقيده كوعي متجدد يرافق الإنسان في يقظته ومنامه؛ حيث تؤمن السلطنة، قيادةً وشعبًا، بأن الوقاية ليست خطوة إضافية في مسار الصحة، بل هي ركيزة جوهرية تختصر الطريق نحو مجتمع سليم، قوي، قادر على العطاء.

لذلك انطلقت المبادرات الوطنية، وتقدمت البرامج التثقيفية، وتكاملت وسائل الرعاية لتشكّل نسيجًا متينًا يُطمئن المواطن ويعزز ثقة العالم في التجربة العُمانية. ولأن الرؤية العُمانية لا تعرف نصف الحلول ولا ترضى بغير التميز، فقد تبنّت الدولة نهجًا يتجاوز تلبية الاحتياجات الأساسية إلى صناعة مستقبل صحي متقدّم، يتكئ على التكنولوجيا الحديثة، ويستند إلى كوادر عمانية مؤهلة، ويستشرف الغد بعين بصيرة تُدرك أن الإنسان المعافى هو عماد الحضارة وقوة الأمة.

وعلى هذا المنوال، انتهجت الدولة مسارًا جديدًا في تطوير المنظومة الصحية، فوضعت الخطط لتوسعة المستشفيات المرجعية في مراكز المحافظات، وزوّدتها بأحدث التقنيات التي تلبي احتياجات تلك المحافظات، مع المضي في إنشاء مستشفيات حديثة في الولايات ذات الكثافة السكانية العالية كولايتي السويق وجعلان بني بوعلي. كما أولت اهتمامًا بتجديد ما استحق التجديد والتطوير، مثل مستشفى سمائل، إلى جانب حرصها على إنشاء مدن طبية متكاملة، كالمدينة الطبية الخاصة بالأجهزة العسكرية والأمنية، والمدينة الطبية الجامعية، لما لهما من دور فعّال في تعزيز الجانب الصحي.

ونقترح- استكمالًا لمسيرة التطوير- إنشاء مدينة طبية جديدة تحمل اسم "المدينة الطبية للمستشفيات السلطانية"، تكون بديلًا للمدينة الطبية الجامعية، وتضم في رحابها المستشفى السلطاني ومستشفى السلطان قابوس، فضلًا عن المرافق التي اشتملت عليها المدينة الطبية الجامعية، وما سيُنشأ لاحقًا من مستشفيات ومراكز تخصصية ومختبرات صحية يتفضل بها مولانا السلطان المعظّم."لتظل سلطنة عُمان وطنًا يمسك بيد إنسانه قبل أن تمسه الحاجة، ويمنحه الطمأنينة قبل أن يسألها، ويجعل من الرعاية الصحية رسالة نبيلة تتجاوز حدود الواجب لتصل إلى سمو العطاء. إنّه وطن يجعل من صحة أبنائه عهدًا لا يُنقض، وميثاقًا لا يتبدل، وراية خفاقة تعلن أن الإنسان هنا قيمة عليا تُحمى، وكنزٌ أصيل يُصان، ومستقبلٌ يُصنع على أرضٍ لا تعرف إلا الخلود.

وعودة إلى عنوان مقالنا، فإن ولاية قريات- على ما حظيت به من نهضة صحية شاملة تجلّت في المراكز والمجمّعات الصحية المنتشرة في أرجائها والمقدِّمة لخدمات الرعاية الحكومية- ما زال مستشفاها قائمًا على هيئته التي أنشئ عليها قبل خمسين عامًا، دون أن يلمسه من التطوير ما يواكب مستجدّات العصر. ولم يُنظر إليه بعد بوصفه صرحًا يستحق التحديث ودمجه ضمن منظومة مستشفيات ولايات محافظة مسقط، ليكون مرجعًا تخصصيًا في مجال من المجالات الطبية التي تتكشف وتتطور مع كل يوم وساعة.

وإننا على يقينٍ راسخ بأن حكومتنا الرشيدة، متى ما لامست كلماتُنا موضع الاهتمام، ستحتضن هذا التطلّع وتضعه في إطار منظومة التخصصات الطبية والعيادات الخارجية، بما يليق بمكانة الولاية وحاجات أبنائها.

الأكثر قراءة

z