سعيد المالكي
مُمَثِّلينَ جمعًا كبيرًا من نظرائهم، ممن صقلتهم النهضةُ المباركة علمًا وتجربةً، تقدّمت مجموعة من أبناء الوطن منذ سنوات بطلب إشهار الجمعية العُمانية للمتقاعدين؛ جمعية إنسانية بسيطة، مهمتها الاهتمام بفئة خدمت الوطن عقودًا طويلة. جمعية لا علاقة لها بالسياسة، ولا تتدخل في شؤون الدولة، ولا تطمح لإدارة مجلس الأمن وليست لديها خطط خمسية موازية. فقط جمعية للمتقاعدين. ومع ذلك، لم تُشهر حتى اليوم!
وعندما نقول إن سنوات عدة مضت، فليس الهدف الشكوى من طول المدة فحسب؛ فربما إشهار جمعيات أخرى استغرق وقتًا طويلًا كذلك وقد تصاحب إجراءات إشهار كل جمعية عوامل مختلفة. لكننا نقولها لأن المتقاعد ليس حدثًا جديدًا ولا طارئًا على المجتمع؛ فهو مواطن خدم بلاده، وقد تقاعد كثيرون قبله، وهي سنة الحياة. فلماذا إذن يأخذ الأمر وقتًا لا يتناسب مع أهمية الموضوع ولا مع قدم الحاجة إليه؟
الغريب أن الطلب ظلّ وما يزال ينتظر في طابورٍ طويل من الأوراق، طابور لا ندري أين يبدأ وأين ينتهي، بينما نشهد بين حين وآخر إشهار جمعيات أخرى، بعضها مهم بلا شك، لكن بعضها لا يبدو أكثر أهمية من جمعية تهتم بآباء وأمهات هذا البلد.
متقاعد، أم مُعلَّق بين الحياة والموت الإداري؟
لماذا يُعامل المتقاعد وكأنَّه خرج من الحياة لا من العمل؟ فبمجرد تقاعده تتوقف عنه علاوة المعيشة، وتتوقف الزيادات السنوية، كأن الأسعار تُخاطب البائع وتقول له: لا تطلّب من المتقاعد، هو الآن خارج اللعبة!
أسعار السلع ترتفع، لكنها لا تسأل عند الدفع إن كان المشتري متقاعدًا لتُخفّض له السعر. المرض لا يقول: أنت متقاعد، سأخفف عليك. والحياة لا تعطيه خصمًا لأنه خدم الوطن عشرات السنين.
المتقاعد لم يتقاعد عن الحياة، فقط توقف عن عملٍ روتيني كان يؤدّيه بعقد. أمّا العمل الحقيقي، عمل الخبرة، الحكمة، المعرفة، التربية، فهم الحياة، فهذا لا يتوقف إلا بانقطاع الأنفاس. هؤلاء كنوز، لا أعباء. أليسوا آباءنا وأمهاتنا؟ أليسوا شباب الأمس؟ فهل يهمل الإنسان العاقل والديه إذا كبرا؟
لماذا يبدو طريق جمعية المتقاعدين غير معبّد؟
السؤال الأكثر إيلامًا: لماذا يتأخر إشهار جمعية إنسانية بحتة؟ هل لأن هدفها العناية بالمتقاعدين وعائلاتهم؟ هل تحسين حياة هذه الفئة يشكل خطرًا سياسيًا أو اجتماعيًا؟ لا نعلم. وربما ينقصنا الخيال لفهم الأسباب.
نشهد، بكل احترام، إشهار جمعيات مهمة، ومنها الجمعية العُمانية للرفق بالحيوان. ونحن هنا لا نقلّل من شأن الحيوان، فهو مخلوق من مخلوقات الله وله حقه علينا، لكن من باب السخرية المهذّبة نتساءل: هل أصبح المتقاعد أقل أولوية من القطط والكلاب؟ هل تحتاج معاملة البشر إلى جمعية أصدقاء الإنسان مثلًا؟
عشرات الآلاف أحيلوا للتقاعد، أين الملاذ؟
في عام 2020، تمّت إحالة أعداد هائلة إلى التقاعد في إطار إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، لكن عشرات الآلاف خرجوا من وظائفهم فجأة. بعضهم لم يصل إلى السن القانونية، وبعضهم كانت لديه خطط مالية، أسرية، التزامات، أحلام مؤجّلة، ثم تلاشت تلك الخطط فجأة في لحظة واحدة.
وإذا لم يكن هذا سببًا كافيًا لإشهار جمعية للمتقاعدين، فماذا إذن؟ ألا تحتاج هذه الفئة إلى أمل؟ إلى جهة تدعمهم، تخفّف عنهم، تقدّم لهم ما يمكن تقديمه من خدمات، وتُمكّنهم من مواصلة حضورهم ودورهم في خدمة المجتمع كما اعتادوا؟
سؤالٌ مغلفٌ بالاحترام!
لماذا يُترَك المتقاعد معلّقًا بين ذاكرة العمل وواقع الحياة؟ ولماذا يتم تأجيل إشهار جمعية لا تطلب من الدولة مالًا ولا سلطة؛ بل فقط تصريحًا ليمسك المتقاعدون بزمام أمرهم ويدعم بعضهم بعضًا؟
نحن لا نسأل من باب النقد؛ بل من باب الوفاء. فمن خدم الوطن، يستحق أن يشعر أن الوطن لا يزال يراه. أليس هذا أقل حقوق الإنسان، قبل أي شيء آخر؟
