فاجعة العامرات.. أين الحقيقة؟

 

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

ضاعت الحقيقة في فاجعة العامرات بين صمت الجهات الرسمية والإعلام- إلا ما ندر- وبين الضجيج العارم في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد بلغ النواح حدًّا غير مسبوق، وأصبح كل فرد في المجتمع قاضيًا ومحاميًا ومحللًا وخبيرًا.

أُلقيت القصائد، وكُتبت المقالات، وانتشرت صور ورسوم أفراد الأسرة المتوفين، ووُظِّف الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى يزيد من تأجيج مشاعر الناس. وظهرت كذلك المقاطع الصوتية التي تتحدث عن الفاجعة، وقيل إن عضو مجلس الشورى ممثل ولاية العامرات تواصل مع رئيس المجلس، وتمخّض عن هذا التواصل مطالبات للحكومة بالتدخل.

وانهمرت الانتقادات على الجميع وعلى مختلف الجهات الحكومية والخاصة، وانتشرت عبارات الغضب والاستهجان انتشارًا غير مسبوق. ووسط كل هذا الصخب والنواح والبكاء، بقيت تفاصيل القضية ضبابية وغامضة. والمثير للدهشة أن بعض المشاهير كانوا من أوائل من ظهروا للحديث عن الفاجعة، وتحدثوا بثقة توحي بأن لديهم معلومات قاطعة لا تقبل التشكيك، مؤكدين أن قطع الكهرباء هو ما دفع الأسرة لاستخدام المولِّد الكهربائي كبديل. ونعلم جميعًا مدى تأثير هؤلاء المشاهير في فئة من الناس. وقد سبق أن طالبنا بأن يظهر المتحدث الرسمي باسم الحكومة فور وقوع الحوادث المثيرة للجدل لتوضيح الحقائق، بدل ترك الساحة للمشاهير ولكل من هبّ ودبّ.

لا ريب أن انتشار الأخبار غير الصحيحة له عواقب وخيمة على سكينة ووحدة وأمن واستقرار المجتمع.

ويُقال إن ربّ الأسرة كان مُسرَّحًا من العمل ولا يملك مصدر رزق، ثم يخرج من يقول إنه ترك العمل بإرادته، وإن لديه سيارة أجرة (تاكسي) وحافلة، وإن زوجته تمارس عملًا بسيطًا يُدر مبلغًا زهيدًا. وأصدرت شركة الكهرباء المعنية بيانًا متأخرًا نفت فيه قيامها بقطع الكهرباء، مؤكدة أن تسديد تكلفة الكهرباء كان يتم عبر الدفع المسبق. ليرد عليها أحد المحامين المعروفين بأن الشركة تتحمل جزءًا من المسؤولية لأسباب ذكرها في تصريح متداول. 

فأين الحقيقة؟! 

توالت الانتقادات ضد شركات الكهرباء، وذُكرت حالات سابقة كثيرة قُطع فيها التيار عن عائلات فقيرة عجزت عن دفع الفواتير. ولستُ هنا للدفاع عن أحد، ولكن من المؤسف ما يحدث في المجتمع حين ننساق جميعًا خلف أخبار لا نعلم إن كانت حقيقية أم مزيفة، فنصدر الأحكام ونتبنى المواقف ونثير المشاعر، بحسن نية أحيانًا، وبأهداف أخرى أحيانًا.

كان من الواجب أن تصدر الجهات المختصة قرارًا يمنع تداول ونشر الأخبار المتعلقة بوفاة هذه الأسرة إلى حين اكتمال التحقيقات ونشرها للناس بكل شفافية ووضوح، ثم بعد ذلك يُترك المجال للنقاش. 

لقد صدمتنا فاجعة العامرات وأدمت قلوبنا، وعشنا أيامًا من الحزن والوجع. وما حدث لهذه العائلة كارثة وطنية ومصيبة كبرى. ولعلنا نخرج منها بالدروس والعبر، وأن نناقش قضايانا بهدوء ورويّة، وأن نعترف بأخطائنا وعثراتنا.

أعادت الفاجعة فتح النقاش حول أسعار الكهرباء، التي لا يخفى على أحد ارتفاعها وما تمثله من عبء على المواطنين في وطن زاخر بالخيرات والنفط والغاز، وحتى الشمس المشرقة طوال العام. وذهب البعض للمطالبة بأن تُوزَّع الكهرباء مجانًا على المواطنين العمانيين، أو بأسعار رمزية، وهو أمر ممكن نظرًا لقلة عدد السكان. كما طُرحت مطالبات بعودة خدمات الكهرباء إلى ملكية الدولة، وسنِّ قانون يمنع قطع التيار عن الناس إلا بحكم قضائي ووفق ضوابط لا يمكن تجاوزها.

وبالعودة إلى فاجعة العامرات، نسأل الله للمتوفين الرحمة والمغفرة، وندعو الجميع إلى الهدوء وترك التحقيق يأخذ مجراه بعيدًا عن هذا الشحن العاطفي الهائل.

الأكثر قراءة

z