محمد بن رامس الرواس
ابتهجنا جميعًا بالإطلالة السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم- حفظهُ الله ورعاهُ- عندما شمل برعايته السامية الكريمة استعراض الأسطول البحري 2025، وذلك في إطار احتفالات البلاد باليوم الوطني المجيد، في مشهد عكس عراقة البحرية العُمانية، وما تملكه من أساطيل على مر العصور والأزمنة.
فقد كانت ولا تزال الأساطيل العُمانية جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية العُمانية، وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي المطل على المحيط الهندي بما فيه من بحر عُمان وبحر العرب، وطبعًا الخليج العربي، وكونها مُطِلَّة على أهم طرق التجارية العالمية والجسر الذي يربط الصحراء خلفها بالعالم عبر البحر والشرق بالغرب، لذا كان البحر كما قيل "ميرة أهل عُمان وسر رخائهم الاقتصادي"، فكان الاعتناء ببناء السفن وتأسيس الأساطيل العُمانية الحربية والتجارية في عهود الإمة والسلاطين قائمًا على رؤية استراتيجية راسخة.
ولكي نسرد الحكاية من البداية، فإن قوة الأساطيل العُمانية مرت بمراحل عدة، كانت بدايتها مع الأئمة اليعاربة الذين اعتنوا ببناء السفن البحرية العسكرية العُمانية حتى أنشأوا قوة بحرية كبرى استطاعت أن تطرُد البرتغاليين من أرض عُمان؛ بل ومن المنطقة عامة، فلقد أولى الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، عناية خاصة بوضع أسس أول أسطول عُماني بحري تمكَّن من خلاله من فرض الأمن وتحقيق الرخاء. ثم جاء بعد ذلك الإمام سلطان بن سيف اليعربي الذي قام بتجهيز أسطول عماني بحري باحترافية عالية استطاع من خلاله طرد البرتغاليين من عُمان؛ بل ولاحقهم إلى شرق أفريقيا والسواحل الغربية للهند.
هنا سجَّل التاريخ سيطرة وهيمنة عُمانية كبرى في المحيط الهندي؛ حيث انتشرت السفن العُمانية شرق وغرب المحيط، وأصبحت الدول الأوروبية تحسب ألف حساب للأسطول العُماني القوي وتتجنب الصدام معه، وكانت من هذه السفن، السفينة الحربية العُمانية "الملك" والسفينة "الفلك" التي كانت تحمل عشرات المدافع على ظهرها.
ولأن الأيام دول صعودًا ونزولًا، فقد جاءت فترة من الاضطرابات، التي سهَّلت وجود غزو فارسي لبعض أجزاء من عُمان والخليج، وحين جاء إلى الحكم مُؤسِّس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي كان مدركًا بأن القوة البحرية هي العمود الفقري لأي قوة عُمانية ناشئة تريد دحر عدوها والسيطرة؛ فأعاد لعُمان هيبتها وقوتها البحرية واهتم ببناء السفن كما اهتم ببناء الجانب الاقتصادي؛ حيث شيَّد أسطولًا بحريًا عُمانيًا متمكنًا استطاع طرد الفرس من عُمان؛ حيث كانت لديه قوة بحرية تجاوز 34 سفينة بحرية حربية.
وفي عام 1765، أصبح لدى عُمان أسطول حربي مُكوَّن من عشرات السفن الكبيرة والمتوسطة المُسلَّحة بأحدث المدافع، ولقد تجلَّت قوة هذا الأسطول من خلال مشاركته الحاسمة في تحقيق تحرير البصرة من الحصار الفارسي عام 1775م، مما أثبت أن قوة الأسطول البحري هي المسيطرة على الساحة الإقليمية في تلك الفترة من الزمن.
وجاءت بعد ذلك فترة السيد سعيد بن سلطان (1806 إلى 1856)؛ حيث وصلت الإمبراطورية العُمانية إلى ذروتها وقوتها، وامتدت من سواحل عُمان إلى زنجبار في شرق أفريقيا، ولأن المسافة كبيرة جدًاـ كان لا بُد من الاعتناء بالأسطول البحري لربط هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف، بجانب توطيد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الدول كبرى في وقتها، وخلال فترة الإمام سعيد بن سلطان اشتهرت مجموعة من السفن وكان على رأسها السفينة "سلطانة" التي أرسل بها السيد سعيد هدية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1840م، بجانب السفينة الحربية "ليفربول" التي أطلق عليها لاحقاً اسم "السيد سعيد" تكريمًا له، في تلك الحقبة من الزمان أصبح الأسطول العُماني قوة كبرى؛ بل أصبح قوة مسيطرة من رأس الرجاء الصالح حتى سواحل اليابان؛ فأصبح في المرتبة الثانية عالميًا بعد الأسطول البريطاني.
ولأن الدولة البوسعيدية ولّادة بالسلاطين العظام؛ فعندما جاء السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه - اهتم اهتمامًا عظيمًا بالبحرية السلطانية العُمانية، وكذلك كان من بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- حتى أصبحت قوة حديثة مجهزة بأحدث التقنيات الدفاعية العالمية مع خطط التطوير والتحديث من أجل حماية السواحل العُمانية.
