عُمان تُنجز بثقة

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

"وإننا لن نتوانى عن بذل كل ما هو متاح لتحقيق ما رسمناه من أهداف وتطلعات رؤية عُمان 2040".. هيثم بن طارق سلطان عُمان.

في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات، تمضي الحكومة بثباتٍ على طريق العمل والإنجاز؛ لا بالشعارات، بل بالنتائج. فخلف كل خطوةٍ تنفيذية اليوم، تتجلى إدارةٌ تستلهم روح الرؤية الوطنية، تتعلّم من التحديات، وتبني على التجربة، لتُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع بلغةٍ من الكفاءة والشفافية.

أصبح الإخلاص في العمل قاعدةً تُبنى عليها الثقة العامة، فيما تحوّلت خطط التنمية الشاملة إلى واقعٍ تُترجمه السياسات والمبادرات في مختلف القطاعات؛ حيث تتجسد قيم الحوكمة والمساءلة والاستدامة في تفاصيل الأداء اليومي.

تتحرك المؤسسات اليوم بروحٍ جديدة قوامها الفعل لا القول؛ روحٍ تُترجمها مشاريع التحول الرقمي، وتبسيط الإجراءات، وتوسيع الخدمات الذكية التي اختصرت الوقت وقلّلت الهدر. كما تتجلى في ترسيخ مفهوم "الفريق الحكومي الواحد"؛ حيث تتكامل المؤسسات لتحقيق هدفٍ وطنيٍ مشتركٍ يعبّر عن وحدة التوجه والرؤية.

لم يعُد المعيار في شكل الهيكل الإداري، بل في القيمة التي يضيفها العمل، وفي النتائج التي يلمسها المواطن. تراجعت البيروقراطية لتحل محلها ثقافة الشراكة والإنجاز، انسجامًا مع توجه السياسات الوطنية الحديثة لبناء مؤسساتٍ مرنة قادرةٍ على التطور والتجدد.

ومع تسارع التحول الرقمي، دخلت الإدارة مرحلةً جديدة تقوم على البيانات لا على الانطباع، وعلى الشفافية لا على الاجتهاد الفردي. تحوّلت الأنظمة إلى شبكةٍ مترابطة تُنجز وتتابع وتقيّم في الوقت نفسه، فجعلت الخدمة أكثر سرعةً ودقة، وأتاحت للمواطن إنجاز معاملاته بسهولةٍ من أي مكان.

ولم يكن التحول تقنيًا فحسب؛ بل ثقافيًا أيضًا؛ إذ أعاد تعريف الخدمة العامة بوصفها تجربةً إنسانيةً قائمةً على الثقة والتيسير، لا على الإجراءات الورقية. فالقرار الرشيد يُبنى على فهمٍ عميقٍ وتخطيطٍ مدروس، لا على الاندفاع أو التجريب.

انعكس هذا التحول إيجابًا على كفاءة الإنفاق وشفافية الأداء، وهما من ركائز الاقتصاد المستدام في المسار الوطني للتنمية. فقد أصبحت البيانات الدقيقة أداةً لتوجيه القرار ومنع الازدواجية، فيما أتاح التكامل الحكومي تتبّع مؤشرات الأداء وتطويرها بصورةٍ مستمرة.

كما تعزّز هذا التحول بتكاملٍ رقابيٍّ يجمع بين الرقابة الداخلية والخارجية، حيث أصبحت الرقابة جزءًا من منظومة الأداء لا أداةً للمساءلة فقط. فالتقارير اليوم تُبنى على بياناتٍ دقيقةٍ تُتابع الإنفاق وتُوجّه القرار في الوقت الفعلي، ما جعل الرقابة عنصرًا من عناصر التطوير المستمر لا مجرد مرحلةٍ لاحقة له.

ومن هذا التكامل وُلدت رقابةٌ جديدةٌ بروحٍ مختلفة؛ رقابةٌ تتحوّل من سلطة محاسبةٍ إلى وسيلةٍ للتمكين، تفتح الأبواب أمام الابتكار وتُحفّز الأداء في إطارٍ من الشفافية والمسؤولية. كما أصبحت العدالة المؤسسية جزءًا من ثقافة العمل، حيث تتكامل الشفافية مع الإنصاف، وتُبنى الثقة الوطنية على شعور المواطن بعدالة التطبيق. إنها مرحلةٌ جديدة من الحوكمة تُقاس فيها الإنجازات بالأثر لا بالوعود، ترجمةً لمحور "المجتمع العادل والمؤسسات الفاعلة" في الرؤية الوطنية.

ويبقى الإنسان محور كلِّ سياسةٍ وبرنامج، إذ تُقاس المشروعات اليوم بما تُحدثه من أثرٍ في حياة الناس، انسجامًا مع مبادئ التنمية الشاملة ومحور "الإنسان والمجتمع". لذلك اتجهت الحكومة إلى توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وتطوير برامج التدريب والتوظيف، ليصبح العمل وسيلةً لبناء قيمةٍ مضافةٍ تُعزّز الاقتصاد الوطني وترسّخ كرامة الفرد.

لا يُقاس نجاح المؤسسات بما تحققه لنفسها، بل بما تمنحه لمواطنيها من عدالةٍ وفرص. فهي إدارةٌ تشرك المجتمع في البناء، وتحوّل المواطن من متلقٍ إلى شريكٍ في صنع القرار، فتتعزز الثقة وتتسع المشاركة.

وفي ختام المشهد، تمضي الحكومة بثقةٍ نحو إدارةٍ أكثر وعيًا وفاعلية، تُوازن بين الحزم والعدل، وتُبقي المصلحة العامة بوصلةَ كلِّ قرار. وما يتحقق اليوم من تنظيمٍ ماليٍّ وتحولٍ رقميٍّ وعدالةٍ مؤسسيةٍ وتناغمٍ إداريٍّ، يؤكد أن الدولة تعمل بروح الفريق الواحد؛ حيث تتلاقى الجهود لا تتقاطع، ويُصبح نجاح كل جهةٍ امتدادًا لنجاح الأخرى.

وهكذا يتشكّل نموذجٌ وطنيٌّ هادئٌ وقويٌّ في آنٍ واحد، عنوانُه العملُ بصمتٍ والإنجازُ بثقة، والإيمانُ بأن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه. إنها تنميةٌ متوازنةٌ ومستدامة، تستمد قوتها من الإنسان وتترجمها إلى واقعٍ يليق بعُمان ومستقبلها؛ تمامًا كما أرادت رؤية "عُمان 2040".

الأكثر قراءة