د. محمد بن إبراهيم الزدجالي **
نُشِر في عدد الأحد الماضي من الجريدة الرسمية القرار الصادر عن وزارة العمل رقم (574/ 2025) بشأن اللائحة التنظيمية لعمل عُمال المنازل ومن في حكمهم، وذلك في خطوة جديدة تعكس النظرة الإيجابية لتعامل سلطنة عُمان مع العمالة المنزلية واهتمامها بتطوير بيئة العمل بما يتوافق مع المبادئ الإنسانية والقانونية.
استهلت اللائحة الجديدة- التي دخلت حيِّز النفاذ اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشرها- بإلزام جميع الأطراف المعنية بتوفيق أوضاعهم خلال فترة 3 أشهر؛ مما يُدلّل على رغبة المُشرِّع في تحقيق انتقال سلس ومنظم إلى جانب تسوية أوضاع العمال.
وجاءت اللائحة واضعة حجر الأساس وموضحة الحد الأدنى من الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها العامل وصاحب العمل على حد سواء، مراعية جوانب حقوق الإنسان وما يتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر؛ حيث أكدت ضرورة أن يُوفِّر صاحب العمل للعامل بيئة أكثر أمنًا فنصَّت على شروط يجب توافرها في مكان الإقامة، وتوفير المأكل، وتحديد ساعات العمل والراحة الأسبوعية والأجر، وأوجبت كتابة عقد العمل، علاوة على ذلك اشترطت موافقة العامل كتابةً عند احتفاظ صاحب العمل بجواز سفره ووثائقه الخاصة. وتقليصًا لمساحات الاستغلال والانتهاك التي قد تنشأ في بيئات العمل غير المُنظَّمة، أوجبتْ اللائحة للحصول على ترخيص العمل، إتمام الفحص الطبي، ومتابعة الإجراءات لدى الجهات المختصة.
إنَّ صدور هذه اللائحة يُسهم في رفع مستوى التوعية لدى أصحاب الأعمال والأُسر حول أهمية التعامل العادل مع هذه الفئة، كما تؤكد أن سلطنة عُمان تمضي بخطى ثابتة نحو تطوير منظومتها التشريعية بما يتماشى و"رؤية 2040"، والقيم الوطنية والمبادئ الإنسانية، فضلًا عن أنها تبعث برسالة واضحة أن احترام العامل ليس تفضُّلًا؛ بل التزام قانوني وأخلاقي لا حياد عنه، وهو ليس بالجديد أو الغريب على بلدٍ يحترم المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبمكافحة الاتّجار بالبشر، ويُحدِّث تشريعاته كلما دعت الحاجة. فقد سبق صدور هذه اللائحة صدور قانون مكافحة الاتّجار بالبشر الجديد في سبتمبر الماضي؛ ما يعكس حرص المُشرِّع على احترام الكرامة الإنسانية ومنع أي مُمارسة يمكن أن تحمل طابعًا تعسفيًا.
ومع احترامنا وتقديرنا للكثير من الآراء المكتوبة والمنشورة التي اطلعنا عليها والتي ترى في هذه اللائحة أنَّ صاحب العمل هو الحلقة الأضعف في ظل غياب الضمانات لصالحه، إلّا أنَّنا نرى أن وجود اللائحة بحد ذاته سيعمل على ضبط هذا الجانب؛ سواءً كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما إن الممارسة العملية كفيلة بأن تُظهِر جوانب الضعف في اللائحة، ونحن على يقين بأنَّ وزارة العمل ستُعيد مراجعتها مستقبلًا، في ضوء الملاحظات التي ربما تصلها وواقع التطبيق العملي، ومع ذلك نرى جوانب إيجابية كثيرة في اللائحة ترسخ السمعة الطيبة لسلطنة عُمان والتزامها بالمواثيق والاتفاقيات الدولية.
** الرئيس السابق لجمعية المحامين العُمانية