العرب بين بريمر العراق وبلير فلسطين

 

 

 

د. أحمد بن علي العمري

 

بول بريمر الذي حكم العراق بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية لها عام 2003م، باسم سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) حيث شغل هذا المنصب من مايو 2003م حتى يونيو 2004م وقد كان يتمتع بسلطة تنفيذية واسعة جدًا في إدارة شؤون العراق حيث استغل الرجل هذه السلطة المخولة له أسوأ استغلال إذ حل الجيش العراقي وهو أقدم جيش في الوطن العربي وزرع بذور الخلاف والشقاق ودعم الطائفية والمذهبية ومازال العراق لم يتعافَ من سوء قراراته المغرضة و السلبية إلى يومنا هذا.

وبالنظر إلى نظيره المحتمل في غزة بفلسطين كما يسوق له الرئيس الأمريكي وهو توني بلير فإنَّ الرجل يعتبر شخصية سياسية بارزة لا تزال أدوارها وقراراتها خاصة تلك المتصلة بالشرق الأوسط تثير الجدل إلى يومنا هذا فالرجل هو أسكتلندي بريطاني لأنه من مواليد إدنبرة في أسكتلندا وهو رئيس وزراء بريطانيا من خلال رئاسته حزب العمال من عام 1997م إلى 2007م وقد كان القرار الأكثر تأثيرًا وإثارة للجدل في مسيرته هو دعمه المطلق ومشاركته في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، بزعم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل التي ثبت لاحقًا عدم صحتها وقد أدى هذا إلى خروج مظاهرات حاشدة ضده بل والمطالبة بمحاكمته كمجرم حرب في عام 2016م خلص تحقيق تشيلكوت إلى أن الحكومة البريطانية لم تستنفذ البدائل السلمية قبل الحرب الأمر الذي جعل بلير يعتذر عن أخطاء في التخطيط والتنفيذ ويعرب عن الندم وهو من ساهم أيضًا في حرب أفغانستان.

بعد رئاسة الوزراء لم يغب الرجل عن المشهد الدولي بل ظلّ لاعبا رئيسيًا في شؤون الشرق الأوسط وبأدوار متعددة حيث عين بعد استقالته في عام 2007م، مبعوثًا للجنة الرباعية الدولية (أمريكا- روسيا- الأمم المتحدة- الاتحاد الأوروبي) حتى عام 2015م بعدها أسس معهد بلير للسياسات وقد تم استشارته من قبل عدة قادة عرب.

والآن عاد إلينا المعلم بلير من خلال سلطة انتقالية دولية في غزه (GITA) وقد تم ترشيحه ليرأس هذه الهيئة التي ستشرف على إدارة القطاع وهي مكونة من 13 عضوا لا يوجد فيهم عربي سوى واحد فقط هم من يختارونه من غزة. والمطلوب من الدول العربية والإسلامية أن تدفع المليارات تحت شعار إعادة إعمار غزة، ولكن في الحقيقة والواقع يتصرف هو فيها كيفما يشاء وبتوجيه من قبل من أحضره.

غزة المدينة العريقة التي عمرها خمسة آلاف عام دمرت وسويت بالأرض ولم يبق بها لا مدارس ولا معاهد ولا جامعات ولا مساجد ولا كنائس.

لقد قالها ترامب علانية في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو بعيد اجتماعهما وبعد إدخال نتنياهو ما يريده من ملاحظات… هذا المؤتمر الصحفي الذي رفض فيه استقبال أسئلة الصحفيين قالها ترامب بكل وضوح أنا من نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس وأنا من اعترف بأنَّ الجولان إسرائيلية.

 

 ولهذا يرى الكثيرون أن مصداقية الرجل في محل شك وأنه غير مناسب لإدارة ملف غزة ويقولون إن مقر هيئة الإشراف الدولية سيكون في العريش، وهذا فيه من المعاني الكثير مما يُمكن أن يفهم أو يقرأ بين السطور.

وبالمقارنة بين الرجلين، يشبه المحللون الدور المحتمل لبلير في غزة بدور بول بريمر في العراق الأمر الذي يثير المخاوف من أن يكون دوره جزءا من التطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية.

والسؤال المنطقي هنا لماذا لا يكون رئيس هذه الهيئة واحدا من العرب، إذا كانت أمريكا وإسرائيل ترفضان السلطة الفلسطينية.. فلماذا لا يكون الدكتور محمد البرادعي مثلًا وهو كان رئيس منظمة دولية مرموقة، أو أحد أمناء جامعة الدول العربية السابقين، أو أحد أمناء دول مجلس التعاون الخليجي السابقين، أو وزير خارجية إحدى الدول العربية المخضرمين السابقين.

أم أنه قضي الأمر ولا بُد من التنفيذ مع السكوت المطبق، وما أشبه اليوم بالبارحة؟ فالعرب في لجة وأمواج هادرة تقذف بها بين هذا الشاطئ وذاك. فهل من صحوة عربية أو يقظة إسلامية.

والله المستعان.

الأكثر قراءة