د. عبدالله الأشعل **
أصبح الملف النووي الإيراني في صدارة الأحداث العالمية والإقليمية منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والسبب الأول أنَّ إسرائيل تعتقد أنَّ الطاقة النووية السلمية يمكن أن تتحول إلى سلاح نووي؛ نظرًا لحالة العداء بين إيران وإسرائيل لأسباب كثيرة أهمها أنَّ أمريكا وكانت الثورة الإيرانية أكبر تحد لها، لذلك تصر أمريكا على أن تُغيِّر النظام ما دامت قد فشلت في التحكم في توجهاته.
السبب الثاني: إصرار أمريكا على التهام إسرائيل لفلسطين كلها وتسيد منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إيران وتغيير هوية المنطقة العربية. ولذلك تصر أمريكا على حرمان إيران من الاستفادة السلمية من الطاقة النووية ولا تصدق فتوى الخميني بأنَّ الإسلام يمنع حيازة الأسلحة النووية ولدينا باكستان الإسلامية تحوز السلاح النووي بسبب صراعها مع الهند والسباق النووي معها.
السبب الثالث: أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة الحائزة على السلاح النووي.
السبب الرابع: أن إيران القوية الغنية تمد المقاومة ضد إسرائيل بالسلاح وهناك تركيز على سلاح إيران لدرجة أن إيران كانت تتفاوض مع أمريكا بشأن الملف فانتهزت إسرائيل الفرصة ونسقت مع أمريكا وهاجمت المنشآت النووية الإيرانية واعتبر نتنياهو في كلمته يوم 26 سبتمبر 2025، أن الضربة المزدوجة الإسرائيلية والأمريكية للبرنامج النووي الإيراني إحدى انتصاراته بالإضافة إلى اغتيال القيادات وعلماء الذرة في إيران وتجنيد العملاء الذين ساعدوا في هجوم أمريكا وإسرائيل.
وتركز الترويكا الأوروبية ومجلس الأمن على الملف النووي الإيراني بينما يترك السلاح النووي الإسرائيلي على أساس أكذوبة أن إسرائيل تنقل الحضارة والديمقراطية للمنطقة وأنها زُرعت في بيئة معادية تريد الانقضاض عليها، وأن من حقها حيازة السلاح النووي للدفاع والردع!!
وأصبح الملف النووي الإيراني سببا لضرب إيران وفرض عقوبات عليها أممية وأوروبية، فإما أن تخضع لشروط الغرب أو تواجه العقوبات القاسية وأن تكون عرضة للعدوان الإسرائيلي.
أما الحكومة الإيرانية فقد أوجعت إسرائيل في حرب الاثني عشر يومًا، وهي محتفظة باستقلالها وصامدة أمام التهديدات. وكان مجلس الأمن قد فرض عقوبات عليها وهي عقوبات غير شرعية لأن هدفها الوحيد تهديد الاستقلال الإيراني.
ومما يذكر أن الغرب نفسه ساعد "إيران الشاه" في مشروعها النووي عام 1957 ما دام الشاه حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة.
وقامت الثورة الإسلامية 1979، فقلبت كل الأوضاع وتحدت إيران أمريكا وإسرائيل ودعمت المقاومة ضد إسرائيل وهو الجرح الدامي الأمريكي، وهذا الموضوع يتصدر المشاكل الاستراتيجية بين إيران وكل من أمريكا وإسرائيل.
حاولت روسيا والصين حليفتا إيران تأخير تطبيق عقوبات مجلس الأمن عدة أشهر لإتاحة الفرصة للتسوية السلمية ولكن أحبطت أمريكا هذا المسعى.
من ناحية أخرى، ترفض إيران التعاون مع الوكالة لأنها تواطأت مع أمريكا وإسرائيل ولم تقدم الحماية الواجبة للمنشآت الإيرانية.
ومن ناحية ثالثة قرر البرلمان الإيراني وقف التعاون مع الوكالة، وسط اتهامات لإيران بانها تتجه إلى التصعيد، ما دفع طهران لإبرام اتفاق مع روسيا لبناء 6 محطات نووية. وبالطبع تحتاج هذه المحطات الوقود اللازم.
وكانت الدول العربية قد اتخذت موقفا موضوعيا في ثمانينات القرن الماضي جوهره أن أي أسلحة دمار شامل تنطوي على تهديد لأمنها سواء من إيران أو إسرائيل، وكانت موقفها إخلاء الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل.
فنحن بحاجة إلى استرجاع الموقف العربي القديم ورفض المشروع الصهيوني على أساس أنه تحول إلى سلاح نووي مع توحُّش إسرائيل وتخشى الدول العربية على أمنها.
ولذلك ننتظر تحول المشروع الإيراني من الطابع السلمي إلى الطابع العسكري، ثم نستدعى الموقف العربي القديم وهو إخلاء المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل.
أما إيران فإن انسحابها من اتفاقية منع الانتشار يعرضها لعقوبات مجلس الأمن والعقوبات الأوروبية علما بأن الاستمرار في المعاهدة اختياري ويخضعها لسلطات التفتيش في الوكالة. وقد سبق لكوريا الشمالية أن انسحبت ثم عادت إلى الاتفاقية.
وإذا قررت إيران نزع سلطات الوكالة تستطيع أن تنسحب من الاتفاقية بعد دراسة مختلف الآثار السياسية المترتبة عليها.
هذا الموقف الغربي منحاز لإسرائيل تمامًا ومتحايل على إيران لاعتقاد الغرب أن رفع العقوبات يزيد قدرة إيران على دعم المقاومة ضد إسرائيل.
وأخيرًا فإنَّ الشعوب العربية والإسلامية تؤيد الموقف الإيراني ضد الموقف الإسرائيلي، كما أن الحكومات العربية تسلم بحق إيران في الاستخدام السلمى للطاقة الذرية.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا