د. مجدي العفيفي
هاتوا المرايا.. لأريكُم وجوه الكذب الممسوحة بمساحيق دبلوماسية!
(1)
هناك كذبة مؤسسية تُروَّج لنا باسم «حلّ الدولتين»؛ كذبة تُلبَس عليها أقنعة الرحمة والشرعية بينما اليد الخفية تُمسك بآلة القضاء على حق المقاومة؛ ليس دعم شعبٍ يطالب بحريته، بل تسليم رقبة فلسطين لميتة تفاوضية مخططة.
أولئك الذين يصِفُون أنفسهم بالحكماء والوسطاء، يريدون أن تظهر ضمائرهم بيضاء، بينما أهدافهم قذِرة؛ هدفهم ليس دولة للفلسطينيين؛ بل إسكات صوت المقاومة وتأبيد الاحتلال بصيغٍ تبدو قانونية.
(2)
اسألوا أنفسكم: ما قيمة اعترافٍ «رمزي» إذا كان مشروطًا ومقنَّعًا؟ ما قيمة تسميّة دولةٍ بلا حقها في مقاومة احتلالها؟ حين يخرج أحدهم- وأكثر من واحدٍ- ليمدح اغتيال قادة المقاومة، ثم يتلو بابتسامة باردة أنه يعترف بدولة فلسطينية «رمزيًا» لوقف العنف، فأين تكمن النزاهة هنا؟ هذا ليس اعترافًا بدولة - هذا اعترافٌ بالمسرحية: مسرحية تهدف إلى إخراج المقاومة من المشهد السياسي كشرطٍ مُسبق للاستقرار الدولي الذي يخدم مصالح الدول الكبرى وحلفائها.
(3)
لا تنخدعوا بالتمثيليات: هناك تمثيليات ومسرحيات وأدوار تُبدل كما تُبدل الأزياء في صالات العرض.
الوعود كثيرة، الشروط أكثر، والنتيجة دائمًا لصالح من يريدون بقاء الوضع القائم. بعضهم يلوح بتصاريح عن تاريخٍ مفترض أو تواريخٍ تختزل مظلومية شعب بأكمله في سطرٍ من بياناتٍ رسمية. ولعجبٍ، الذاكرة تُمحى حين يتعلّق الأمر بمسؤوليات تاريخية: يتذكّرون ما يريدون تذكره، وينسَوْن ما يزعج سِيَرهم.
(4)
ولنقلها بصراحة نارية: الاعتراف المشروط بالدولة إذا كان وسيلة لإضعاف المقاومة فهو ليس حلًّا، بل خيانة. المقاومة ليست شهوة بالعنف، بل هي رد فعل على احتلالٍ يمتد عقودًا، وعلى رفضٍ مُمنهج لحق شعبٍ في تقرير مصيره.
أن تقول إن الهدف هو «وقف المقاومة» ثم تحتفل بقتل قادتها هو إعلانُ نوايا لا يحتاج إلى ترجمة: يريدون دولةً على ورقٍ فقط- دولة معقَّدة الحقوق، مقيدة الحركة، مُقَيّدة السيادة- لتكفل العون القانوني والسياسي للاحتلال.
(5)
ولمن يرفعون شعارات التاريخ: دعوا التاريخ يُحكى كاملًا، لا انتقائية في الذاكرة. إذا كنتم تريدون حلًا عادلًا ومستدامًا فابدأوا بقراءة التاريخ من بدايته، بإنصاف الضحايا، وباعترافٍ حقيقي وغير مشروط بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
لا يُمكن أن تقوم دولة بتطبيل لمظاهرها بينما تُقضى روحها في زوايا الاتفاقيات المشروطة.
(6)
إلى أولئك الذين يلبسون أقنعة السياسة: كفاكم تمثيلًا. كفاكم لعبًا على أوتار العطف لتغطية مصالح جيوسياسية باردة.
أي اعترافٍ يُوضع في قفص الشروط لن يكون سوى قميصٍ يَخنق حرية شعب.
أي قتال لحرية الشعب يَسعى الآخرون لتحويله إلى «إرهاب» أو «عنف» فقط عندما لا يخدم مشروعهم. هذه لغة الكيل بمكيالين: عندما يكون القتل سياسيًا يُسمى بطلًا، وحين يكون دفاعًا عن الأرض يُسمى إرهابًا.
(7)
نداءٌ لكل ضميرٍ حيّ: لا تنخدعوا بالتصريحات المتلونة.
احفروا أبعد من كلمات الضيوف على شاشات الفضائيات؛ اقرأوا شروط الصفقات، اسألوا عن من يربح فعلًا، ومن يخسر.
المقاومة ليست استهدافًا للسلام، بل هي تأكيدٌ على أن السلام الحقيقي لا يقوم على الظلم.
(8)
ولنقلها بعبارة لا تحتمل الالتباس: إن أردتم دولة فلسطينية حقيقية، فلتكن دولة ذات سيادة كاملة، لا دولة على حساب مقاومة الشعب في الدفاع عن حقوقه.
إن أردتم حلًّا عادلًا فلتبدأ العدالة أولًا: الاعتراف بلا شروط، الانسحاب الحقيقي، العودة الكاملة لأصحاب الأرض، والمساءلة عن الجرائم.
أما إن كان الهدف إسكات صوت المقاومة وطمس الحقائق باسم «السلام» المزيف، فاعلموا أن هذا السلام لن يدوم، وسيكون شاهدًا على نفاقٍ تاريخي تُدونه ذاكرة الشعوب.
اجعلوا كلماتكم أفعالًا، وافعالكم تُصغي إلى صوت الحرية. لا مزيد من المسرحيات. لا أقنعة تخفي مآرب قذرة. اليوم أكثر من أي وقت مضى، الحقيقة تحتاج إلى صوتٍ صارخ يُفكُّ القيود عن الأدوات الدبلوماسية المسروقة.
(9)
ما نراه هو «كوميديا سياسية» في الأمم المتحدة ليس صدفة؛ بل نتاج منظومة مصالح، قوانين لعبة متحيزة (الفيتو، التحالفات، النفوذ الاقتصادي)، وتوازنات جيوسياسية تجعل من الخطاب الأخلاقي مجرد ديكور بينما تُصنع القرارات الحاسمة خلف الأبواب المغلقة.
النتائج: مواقف رمزية، بيانات ملونة بالكلمات الطيبة، وقرارات عملية تخدم من يملكون القوة أكثر من الذين يعانون الظلم.
لماذا تبدو كاريكاتورية ومخيِّبة للآمال؟
الفيتو والتحالفات: تمنع إجراءات حقيقية إذا اصطدمت بمصالح دولة قوية.
تضارب المصالح: كثير من الدول «الوسيط» لها شراكات سياسية/ اقتصادية تجعل حيادها شكليًا.
الاستعراضية الإعلامية: بيانات وتصريحات موجهة للرأي العام أكثر منها تغييرًا ميدانيًا.
الشروط والقيود: الاعترافات والدعم غالبًا ما تُقدّم مشروطًا بحيث تُفقد مضمونها وحيويتها.
(10)
إذا كانت الأمم المتحدة منصة للضمائر، فدعونا نسألها اليوم: أي ضمير هذا الذي يبارك العنف عندما يخدم مصالح، ويمنع الحق عندما يزعج تحالفات؟
إن البيانات الرمزية لا تُقنع ضحايا الاحتلال، ولا تُعيد كبرياء شعبٍ سُلبت أرضه.
إن كنتم تريدون السلام فابدأوا بالعدالة؛ إن أردتم دولةً فلتكن سيادة حقيقية لا ورقية؛ وإن أردتم أن تُسمّى بمنصّة حقوق إنسان فلتكفّوا عن تزيين الجرائم بالبيانات.
كفى مسرحيات.. كفى أقنعة..
دعوا القانون الإنساني يعلو فوق مآرب القوة، ولتكن المساءلة هي القاعدة لا الاستثناء.