المشهد التجاري العُماني بين الطموح والتحديات والتقليد

 

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

في الوطن يقف آلاف الشباب أمام مفترق طرق صعب: إما أن يواصلوا الاعتماد على راتب ثابت ينتظرونه آخر كل شهر لإعالة أسرهم، أو أن يدخلوا عالم التجارة مُخاطِرين بكل ما يملكونه من مدخرات، وربما مقترضين من البنوك أو الأصدقاء. الصورة ليست بسيطة كما يظن البعض؛ بل هي معادلة مُعقَّدة بين الأمل في النجاح والخوف من الفشل.

ومن الحقائق التي لا يمكن إغفالها أن الوافد ظل لسنوات طويلة الأكثر سيطرة على مفاصل التجارة. والسبب يعود إلى خبرته المتراكمة وقدرته على التكيف مع السوق حتى بأقل التكاليف. بينما الشاب العُماني المبتدئ، وعلى الرغم من شجاعته ورغبته في بناء مستقبل أفضل، يجد نفسه في مواجهة قوانين وإجراءات قد تبدو عادلة على الورق، لكنها في الواقع تثقل كاهله وتضعه في مواجهة غير متكافئة.

القوانين التجارية في السلطنة وضعت أساسًا لتنظيم السوق وضمان الشفافية، وهذا لا جدال فيه. غير أن المشكلة تكمن في أن بعض هذه القوانين جاءت صالحة للشركات الكبرى والمستثمرين المخضرمين، لكنها تعيق المبتدئ الذي لا يملك سوى حلم بسيط ورأس مال محدود. هنا، يتولد سؤال مشروع: هل نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في هذه القوانين بحيث تفرق بين التاجر المخضرم والمستثمر المبتدئ؟

ومن أبرز المؤسسات التي يُفترض أن تُمثِّل التاجر وتحمل همومه هي غرفة تجارة وصناعة عُمان. ورغم ما تجمعه من رسوم واشتراكات مُعتبرَة، إلّا أن كثيرين يتساءلون عن جدوى هذه الأموال في ظل غياب الدور الملموس على أرض الواقع. فبينما يعاني بعض التجار المبتدئين حتى يصلوا إلى بر الأمان، نجد آخرين يقضون سنوات في السجون بسبب عجزهم عن تسديد التزاماتهم. وهنا يطرح المواطن العُماني البسيط تساؤلًا واضحًا: أين غرفة التجارة من هؤلاء؟ وأي دور حقيقي تقدمه غير جمع الأموال ومجرد تقليد العالم في وجود غرفة بينما أرى كرأي شخصي أن نقلد العالم بتمثيلها كمديرية في وزارة التجارة في كل ولاية والاستفادة من هذه المبالغ لدعم المتعثرين وفتح آفاق أخرى للشباب لأن بعض التجارب لا تُناسب واقعنا المحلي؟

 

التجارة في عُمان ليست مجرد مصدر رزق؛ بل هي وسيلة لتحقيق الاستدامة المالية الشخصية والأسرية. لكن لكي تصبح التجارة بابًا للنجاح لا بوابة للفشل، يجب أن نُعيد النظر في السياسات والأنظمة بحيث تخدم الفئات الأكثر هشاشة، وتوفر لهم فرصًا حقيقية للانطلاق. ولذلك فإنَّ معالجة قضايا التجار الذين زُج بهم في السجون بسبب إخفاقات مالية واجب وطني لا يقل أهمية عن تطوير البنية الاقتصادية الكبرى.

إنَّ الحكومة اليوم تسعى جاهدة إلى حلحلة الكثير من التحديات الاقتصادية، لكن المطلوب أن نعيد صياغة المنظومة التجارية بروح أكثر واقعية. وهذه الأموال التي تُحصَّل من كل الجهات لا مجال للترفه أو العبث بها الدول، وعندما تكون في مصاعب معينة، فإن المُشرِّع يتحمل بكل دقة وعناية أن يكون صاحب صرفة ودقة وترفع في وضعها في المكان المناسب وبكل عناية واهتمام.

الفترة القادمة لا تسمح بضياع ريال واحد مطلقًا؛ لأن من يقرأ المشهد بعناية فإنه وكمسؤول يجب عليه وحتمًا التجافي عن النوم خدمة لسلطانه ووطنه.

وأخيرًا.. التجارة ليست حكرًا على من يملك رأس مال ضخم أو خبرة متوارثة، بل هي حق لكل مواطن يحلم بالاستقلال المالي وبناء مستقبل أفضل لعائلته. ولعلَّ الوقت قد حان لنتوقف عن الدوران في الحلقة ذاتها، وأن نمنح شبابنا فرصة للنجاح بعيدًا عن تعقيدات القوانين وتكاليف المؤسسات التي لم تثبت جدواها. المشهد التجاري في عُمان بحاجة إلى إصلاح حقيقي، وإلا فإننا سنظل نكتب عن معاناة تُعاد كل يوم بوجوه جديدة.

الأكثر قراءة