تشو شيوان **
عُقدت عن بُعد، قمَّة قادة دول البريكس خلال الأيام الماضية، وترأس القمة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وحضرها كل من: الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، وولي عهد أبوظبي في الإمارات خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، والممثلان الهندي والإثيوبي.
وفي هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ فيها العالم بتغيرات جذرية وتتشابك فيها تحديات متعددة، لا يُعدّ هذا "التجمع السحابي" الذي يتجاوز الحواجز الجغرافية مجرد ترتيب للمشاورات المؤسسية؛ بل فرصة بالغة الأهمية لإظهار الإرادة المشتركة، وتنسيق المواقف، والتخطيط للأعمال المشتركة. وقد أتاحت القمة تبادلا معمقاً للآراء حول الوضع الدولي والمخاوف المشتركة، مما غرس استقرارا نادرا وقوة بناءة في عالم يعاني من التغيير والفوضى.
يشهد العالم حاليًا تحولًا مستمرًا منذ قرن من الزمان بسرعة وعمق غير مسبوقين. فمن جهة، ترتبط مصائر جميع الدول ارتباطا وثيقا، ولا تزال رغبة البشرية في التنمية والازدهار قوية. ومن جهة أخرى، تتصاعد الهيمنة والأحادية والحمائية. وتسيء بعض الدول استخدام الولاية القضائية طويلة الأمد، وتقيم حواجز تجارية بشكل متكرر، وتشن حروبًا جمركية عبثية؛ مما يؤثر سلبًا على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، ويؤدي إلى تآكل نظام التجارة متعدد الأطراف القائم على القواعد. في ظل هذه الخلفية، وبصفتها ممثلين للأسواق الناشئة والدول النامية ودول "الجنوب العالمي"، تتحد دول البريكس وتعمل معا من أجل التنمية المشتركة، متمسكة بروح الانفتاح والشمول والتعاون المربح للجميع. وهذا ليس ضرورة للدول الأعضاء نفسها فحسب؛ بل هو أيضا مطلب حتمي للحفاظ على العدالة والإنصاف الدوليين.
إن التمسك بالتعددية الحقيقية هو الحل الأمثل للإجابة عن أسئلة عصرنا. لقد أثبت التاريخ أن الإسراف في الإنفاق على الجار لن يحمي رفاهية الإنسان، وأن الأنانية ستضر في نهاية المطاف بالإنسان وبالآخرين. تدعو مبادرة الحوكمة العالمية المجتمع الدولي إلى البناء والتشاور والمشاركة معًا، ودعم الدور المحوري للأمم المتحدة في النظام الدولي، والدفاع عن النظام الدولي القائم على القانون الدولي. إن التعددية الحقيقية لا تعني قواعد انتقائية محدودة؛ بل هي الدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وتعزيز إصلاح نظام الحوكمة العالمية، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز صوت وتمثيل الدول النامية. بهذه الطريقة فقط، يمكن للحوكمة العالمية أن تستجيب للشواغل المشتركة للبشرية جمعاء.
والدفاع عن اقتصاد عالمي مفتوح هو حجر الأساس لمواجهة العولمة الآخذ في التراجع. ورغم ما واجهته العولمة الاقتصادية من انتكاسات، إلا أن مسارها العام لم يتغير؛ فاقتصادات مختلف الدول مترابطة، ولا يمكن لأي دولة أن تنعزل في جزيرة منعزلة. ينبغي على دول البريكس أن تعزز بحزم تحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما، وأن تتمسك بسلطة منظمة التجارة العالمية وفعاليتها، وأن تقاوم بشكل مشترك العقوبات الأحادية الجانب والتدابير الحمائية. والعولمة التي نسعى إليها ليست عولمة يحتكر فيها رأس المال الأرباح ويحقق فيها اختلالات بين الأقوياء والضعفاء؛ بل عولمة تعود بالنفع على الجميع وتكون شاملة وذات منافع مشتركة. وهذا يعني وضع قضايا التنمية في صميم الأجندة الدولية، وضمان اندماج دول الجنوب بشكل حقيقي وعادل في التقسيم العالمي للعمل والاستفادة من التعاون الدولي.
وتعميق التضامن والتعاون داخل دول البريكس هو سبيل أساسيٌ لتعزيز المرونة الشاملة والتأثير الدولي. لا يُمكننا الصمود أمام المخاطر الخارجية بشكل أفضل إلا بتعزيز التنمية الداخلية وتوطيد التعاون. تُمثل دول البريكس نسبة كبيرة من سكان العالم، وناتجها الاقتصادي، وتجارتها. وهي مناطق غنية بالموارد، ومراكز تصنيع، وأسواق استهلاكية. وتهدف جهود الصين إلى تنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية ومبادرة الحوكمة العالمية، إلى تعزيز التنسيق الاستراتيجي مع دول البريكس الأخرى، وتحقيق نتائج عملية أكثر في التجارة، والتمويل، والابتكار العلمي والتكنولوجي، وأمن الطاقة، وغيرها من المجالات الأخرى، وجعل "تعاون البريكس الأكبر" أكثر جوهرية واستقرارًا وتأثيرًا.
وعلى الرغم من انعقاد هذه القمة افتراضيًا عن بُعد، إلّا أنها قدمت رؤى وتوجيهات للعمل الذي يحتاجه العالم الحقيقي بشدة. مجموعة البريكس ليست مجرد منصة لتنسيق سياسات الاقتصاد الكلي؛ بل هي أيضا قوة فاعلة في تعزيز إصلاح نظام الحوكمة العالمي وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. تقف دول البريكس عند مفترق طرق تاريخي، وعليها أن تُظهر عزما استراتيجيا ومسؤولية، وأن تقاوم الأحادية بتعددية الأطراف حقيقية، وأن تستبدل الإقصاء المغلق بالتعاون المفتوح، وأن تواجه الانقسام والمواجهة بالتضامن والتعاون المربح للجميع.
وختامًا يمكننا أن نتطلع من دول البريكس أن تتخذ هذه القمة كنقطة انطلاق جديدة لبناء التوافق وتوسيع التعاون، وحقن المزيد من اليقين في عالم مليء بعدم اليقين، وفتح مستقبل أكثر عدلًا وشاملًا واستدامة من أجل التنمية المشتركة للبشرية.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية