المقاومة في فلسطين والمقاومة في أوكرانيا

 

 

 

 

د. عبدالله الأشعل 

 

نُعالج في هذه المقالة عدة أمور تتعلق بالمقاومة في فلسطين والمقاومة في أوكرانيا، ومن الطبيعي أن يكيل الغرب بعدة مكاييل وفق مصالحه، ولكن الهدف من المقالة هو تبيان الفرق بين المقاومة في فلسطين والمقاومة في أوكرانيا في نظر القانون الدولي.

أولًا: الدور الأمريكي والغربي في الحالتين وطبيعة الصراع؛ ففي الحالة الأوكرانية الجيش الأوكراني يمثل الغرب في مواجهة روسيا وهو الطرف المقاوم، ولذلك المقاومة في أوكرانيا تفتقر إلى الأسس القانونية لأنَّ أوكرانيا ساحة صراع بين الغرب وروسيا وليس صحيحًا أن روسيا اعتدت على أوكرانيا، ولكن الصحيح أن أوكرانيا تاريخياً جزء من روسيا وشبه جزيرة القرم آلت إلى روسيا. كانت ضمن أملاك الدولة العثمانية، ولكن لما هزمت الدولة العثمانية في حربها مع روسيا والغرب عام 1854 وانتهي إلى صلح باريس 1856 فقدت الدولة العثمانية وفقاً للقانون الدولي في ذلك العصر شبه جزيرة القرم التي انضمت لروسيا وكانت تساند روسيا سبع دول أوروبية كبرى وكأنَّ الصراع على أرض أوكرانيا وليس حربا بين روسيا وأوكرانيا. وأوكرانيا في العصر السوفييتي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، ولكن الغرب عمد إلى الإضرار بروسيا من خلال أوكرانيا وغير ولاء الحكومة في أوكرانيا لكي تكون موالية للغرب. وروسيا تعتبر حقاً أن مناطق أوكرانيا تابعة لها، ولكن الغرب يعتقد أن روسيا معتدية على دولة ذات سيادة وهذا غير صحيح.

وقد كتبنا في هذا الموضوع كثيرًا حول حقائق التاريخ والجغرافيا التي تحيط بهذا الصراع.

ويرى الغرب أن أوكرانيا جزءٌ منه وأنها معتدى عليها من جانب روسيا. والجيش الأوكراني هو وحدة المقاومة خلاف الوضع في فلسطين. ففلسطين لها وضع خاص من حيث لايمكن مقارنة إسرائيل بروسيا فإسرائيل تجسيد للمشروع الصهيوني السياسي ولكن روسيا تطالب بأمنها الذي أعتدى عليه الغرب من خلال أوكرانيا ولذلك فإنَّ روسيا لاتهدف إلى إحلال الروس محل الأوكرانيين، ولكن الصهاينة في فلسطين يهدفون إلى الاستيلاء على فلسطين كلها.

ثانيا: المقاومة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر 2023، كانت تهدف إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن بعد السابع من أكتوبر أصبحت تهدف إلى تحرير كل فلسطين؛ أي زوال إسرائيل وهذا هو السبب في أن واشنطن والغرب استشعروا هذه الحقيقة، وهذه الخطورة وتصدوا للمقاومة الفلسطينية بصرف النظر عن الحقائق القانونية. وفي ضوء ذلك لا يمكن اعتبار الجيش الأوكراني مقاومة للروس، وإنما الجيش الأوكراني رأس حربة للغرب ضد روسيا.

ثالثا: المقاومة الفلسطينية تكتسب ثلاثة مستويات من الشرعية؛ الأول شرعية دستورية بحكم أن حماس اكتسحت الانتخابات التشريعية عام 2006 وهي جزء من النظام السياسي الفلسطيني. والمستوى الثاني هو شرعية المقاومة في القانون الدولي من حيث إنها رد فعل للعدوان. والمستوى الثالث هو أن المقاومة تهدف إلى تحرير فلسطين من الصهاينة الذين زرعوا بمؤامرة دولية في فلسطين.

يتضح من ذلك أنه لا مقارنة بين شرعية المقاومة في فلسطين وشرعية المقاومة في أوكرانيا. ذلك أن أوكرانيا يحارب جيشها روسيا نيابة عن الغرب وضد الحقوق التاريخية لروسيا في أوكرانيا، فأنا أعتبر المقاومة الأوكرانية اعتداءً على روسيا في نظر القانون الدولي.

رابعًا: طبيعي أن الغرب بحكم رئاسة الولايات المتحدة له يكون مجمعًا على محاربة روسيا وطبيعي أيضًا أن هذا الغرب يهيمن على بعض الدول العربية. ولذلك يعادي المقاومة الفلسطينية لصالح إسرائيل لأنه يعتبر إسرائيل الوكيل الحصري للغرب في المنطقة بعد أن سحب وجوده العسكري.

والطريف أن بعض المحيط العربي والإسلامي الذي يهيمن عليه الغرب يعادي المقاومة الفلسطينية لصالح إسرائيل وأمريكا.

خامسًا: واضح أن الغرب مُصِرٌ على انهاء المقاومة الفلسطينية، وبذلك ظهرت خطة ترامب لهذا الغرض، وبالتالي ليس للمقاومة الفلسطينية دور في مرحلة التسوية.

سادسًا: التسوية في أوكرانيا بالنسبة لموسكو هي إخضاع أوكرانيا لروسيا وتأمين روسيا من الغرب في أوكرانيا، ولذلك فإن روسيا لن تستخدم الإبادة الجماعية والتجويع ضد الأوكرانيين ولكن الغرب استخدم هذه الوسائل العقابية عقابل لشعب فلسطين الصامد المتحدى للهيمنة الغربية.

سابعًا: أن هناك فروقًا بين أوكرانيا وفلسطين؛ فالحكام والحكومات مع إسرائيل ولكن الشعوب مع المقاومة على امتداد العالم والحكام أيضا بعضهم يؤيد أوكرانيا، بينما شعوب الأرض قاطبة تؤيد روسيا، ولكن ذلك لن يحسم الصراع لصالح روسيا ولن يحسم الصراع في فلسطين لصالح المقاومة وإنما ظهرت تحديات كبيرة في بيئة النظام الدولي ضد إسرائيل ومع روسيا.

ثامنًا: لما كانت إسرائيل جزءًا من الغرب فهي تحارب روسيا في أوكرانيا ولكن روسيا لا تنضم إلى المقاومة العربية في فلسطين ولها حسابات خاصة علما بأن إسرائيل قاعدة متقدمة ضد روسيا.

تاسعًا: الصراع في فلسطين مآله ليس انتصار المقاومة وغزو إسرائيل فذلك أمر لايتصور وإنما الأقرب إلى الصواب هو أن إسرائيل تحطمت فيها الأسطورة وأركان الدولة العبرية انهارت ولم تعد مكانًا آمنًا للصهاينة؛ بل إنني أتوقع أنه بعد أن تزول إسرائيل سوف تنقض الشعوب العربية على الصهاينة ولن تجدي حماية الغرب أو حلفائهم العرب والمسلمين، ولذلك حذر كبير الحاخامات في إسرائيل من هذا المصير بمناسبة مناقشة القانون في الكينيست الذى يقرر إعدام الفلسطيني إذا ارتكب جريمة ضد الصهاينة ولا يزال هذا القانون منظورًا في الكينيست حتى الآن.

ويرى المراقبون أن الحاخام الأكبر ربما يعترض على هذا القانون لهذا السبب. وإذا حدث ذلك فإنَّ زوال الظاهرة الإسرائيلية سوف يغير قواعد العلاقات الدولية في المنطقة والنظم السياسية أيضًا ونحن مقبلون على عصر جديد مع انتصار المقاومة بهذا المعنى.

أما روسيا فتريد أن تسترد هيمنتها على أوكرانيا وهذا حق مشروع في القانون الدولي الراهن خلافًا للقانون الدولي الأوروبي الذي ساد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

 

الأكثر قراءة