تشو شيوان **
افتُتِحت دورة الألعاب الوطنية الخامسة عشرة في منطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى يوم الأحد الماضي، وأجد أن هذا الحدث الرياضي الكبير الذي يُقام في الوقت الذي تُوشك فيه الأهداف والمهام الرئيسية للخطة الخمسية الرابعة عشرة على الانتهاء بنجاح ليس مجرد فعالية رياضية عابرة؛ بل حدث يحمل دلالات عميقة على مسار الصين نحو بناء دولة رياضية قوية، خصوصًا وأن هذه الدورة تأتي في الوقت الذي تقترب فيه الأهداف الرئيسية للخطة الخمسية الرابعة عشرة من الاكتمال، وهذا يجعل من هذه الألعاب منصة مهمة لتجسيد ما حققته الصين في مجال الرياضة، وفرصة لدفع هذا القطاع نحو آفاق أوسع مستقبلًا.
إن قوة الأمة ترتبط بقوة رياضتها، وبرأيي فإن ما شهدناه خلال السنوات الماضية يؤكد هذا الارتباط بوضوح، فمنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولت الدولة اهتمامًا استراتيجيًا للرياضة باعتبارها جزءًا من مشروع النهضة الوطنية، ومن خلال استضافة أحداث رياضية كبرى مثل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين ودورة الألعاب الآسيوية في هانغتشو، إلى جانب الإنجازات البارزة للرياضيين الصينيين في الدورات الأولمبية في الخارج مثل دورة باريس، نستطيع القول إن الصين قطعت خطوات ملموسة نحو بناء دولة رياضية قوية، والألعاب الوطنية كانت دائمًا رافعة أساسية لهذا التقدم، باعتبارها الحدث الرياضي الأكثر شمولًا وتأثيرًا على مستوى البلاد.
ومن وجهة نظري، فإن دورة الألعاب الوطنية الخامسة عشرة تحمل ميزة جديدة تعكس تطور البيئة الرياضية في الصين، حيث لم تقتصر المشاركة على الفرق الممثلة للمناطق الإدارية المحلية فقط؛ بل شاركت أيضًا جمعيات رياضية متخصصة، ودخلت الجامعات والأندية الاجتماعية للمرة الأولى، وهذا يعكس رؤية وطنية لدمج الرياضة التنافسية مع الرياضة الجماهيرية، بحيث يصبح لكل فرد فرصة أن يكون جزءًا من هذا المشهد، وتضم فعاليات الرياضة الجماهيرية 23 فئة رئيسية و166 فئة فرعية. ويشارك في النهائيات حوالي 11 ألف رياضي، وهذه خطوة مهمة تعكس مفهوم “الألعاب الوطنية للجميع” لا للأبطال وحدهم، وفي الوقت نفسه تتماشى هذه الدورة مع الاتجاهات الرياضية العالمية، خصوصًا في إدراج رياضات أولمبية ناشئة مثل التسلُّق والتزلج على الألواح؛ مما يوفر منصة لنشر هذه الرياضات داخل المجتمع الصيني ويعزز من انتشار ثقافة الحركة والنشاط لدى الشباب، وأرى أن هذا التكامل بين الرياضات التقليدية والحديثة يمثل خطوة أساسية في بناء مجتمع رياضي حيوي ومتوازن.
وتُعدّ دورة الألعاب الوطنية أيضًا مُحركًا مُهمًا لتعزيز اللياقة البدنية الوطنية؛ ففي كل دورة من دورات الألعاب الوطنية، يجتاح شغف رياضي كل أنحاء البلاد، حيث تُلهم الروح القتالية للرياضيين مئات الملايين من المشاهدين، وتُحوّل حماسهم لمشاهدة الألعاب إلى أنشطة اللياقة البدنية. ومنذ بداية الخطة الخمسية الرابعة عشرة، تم بناء حوالي 2000 حديقة رياضية ومنشأة أخرى على مستوى البلاد، إضافة إلى أكثر من 20 ألف كيلومتر من مسارات اللياقة البدنية، وقد دفعت الألعاب الوطنية نحو التحسين المستمر لمرافق اللياقة البدنية، مما يخفف بشكل فعال من مشكلة "مكان ممارسة الرياضة"، وعلاوة على ذلك يوفر الانتشار الواسع لمفاهيم اللياقة البدنية العلمية خلال الألعاب الوطنية للجاهير إرشادات لياقة بدنية أكثر احترافية وشخصية.
وتُقام دورة الألعاب الوطنية هذه المرة بشكل مشترك بين قوانغدونغ وهونغ كونغ وماكاو، وهي ليست مجرد ممارسة مبتكرة في تاريخ استضافة الألعاب الوطنية فحسب؛ بل هي أيضًا ممارسة مبتكرة لمبدأ "دولة واحدة ونظامان" في المجال الرياضي، فهي تكسر الحواجز الإقليمية، وتعزز التنمية الإقليمية المنسقة، وتساهم في تقديم "حل صيني" لاستضافة الأحداث العالمية والتعاون عبر الحدود. والتزامًا بمبادئ "الأخضر، المشترك، المفتوح، النظيف" ومتطلبات استضافة الأحداث "البسيطة، الآمنة، والمثيرة"، لن تتضمن هذه الألعاب الوطنية بناء أي ملاعب كبيرة جديدة. وقد تم تحديث وتجديد أكثر من 90% من ملاعب المنافسات من الملاعب الحالية؛ ما يعكس نهجًا تنمويًا صديقًا للبيئة، منخفض الكربون، وفعّالًا.
إنَّ بناء دولة رياضية قوية بحلول عام 2035 هو هدف حدده المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني. ونجاح استضافة دورة الألعاب الوطنية سيزيد من حماس الشعب للرياضة، ويساهم في بناء الصين الصحية، ويدفع تطوير الرياضة في الصين إلى مستوى جديد. وتغتنم الصين دورة الألعاب الوطنية كفرصة لتعزيز روح الرياضة الصينية، والمضي قدمًا نحو هدف بناء دولة رياضية قوية وإظهار الدور الكبير للرياضة في مسيرة تحديث الصين.
وفي النهاية.. أعتقد أن دورة الألعاب الوطنية ليست مجرد منافسة على الميداليات أو أرقام الإنجاز؛ بل هي تجسيد لرؤية أوسع تهدف إلى جعل الرياضة قوة ناعمة في الصين، وجزءًا من أسلوب حياة وصناعة مستقبلية تساهم في تعزيز الثقة الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
