الشباب.. ثروة لا تُشترى

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

في رحلة الإنسان على هذه الأرض يتنقل بين مراحل عمرية مختلفة تبدأ بالطفولة مرورًا بالشباب ثم الكهولة فالشيخوخة، ولكل مرحلة خصائصها التي تميزها إلا أنَّ مرحلة الشباب تبقى الأكثر حضورًا وبريقًا، فهي مرحلة القوة والعطاء والطموح وهي الرصيد الحقيقي الذي يعتمد عليه الإنسان ليبني مستقبله، غير أن الزمن بحكم طبيعته يمضي سريعًا وحين يرحل الشباب لا يعود أبدًا، وهنا تبرز حقيقة كبرى "مهما بلغت ثروة الإنسان ومهما تراكمت بين يديه الأموال فإنه لن يستطيع أن يشتري شبابه الذي مضى".

الثروة تمنح صاحبها الراحة وتفتح أمامه أبواب الفرص لكنها تقف عاجزة أمام الزمن، فالمال يستطيع أن يشتري الدواء لكنه لا يشتري الصحة، يشتري الراحة لكنه لا يشتري الطمأنينة، ويشتري الترف لكنه لا يشتري العمر، والإنسان مهما حاول لا يملك إلا أن يرضخ لحقيقة أن شبابه مرحلة مؤقتة تمر ثم تنقضي لتفسح المجال لمرحلة أخرى.

لقد حاول البشر عبر العصور أن يجدوا سبيلًا لتمديد الشباب أو استعادته فتعددت وصفات الطب والتجميل وتنوعت محاولات محاربة الشيخوخة، لكن في نهاية الأمر تبقى كل هذه الجهود تجميلية سطحية لا تغير من الحقيقة شيئًا، فالشباب ليس شكلًا جميلًا فقط بل هو طاقة داخلية متدفقة لا يمكن للمال أن يعيدها بعد أن تنطفئ.

إذا كان المال عاجزًا عن إعادة الشباب فإنَّ الحكمة تقتضي أن يُستثمر العمر في وقته الصحيح، الشباب هو المرحلة التي يجب أن يُستغل فيها الجهد لبناء المستقبل للعلم والعمل للإبداع والعطاء، فالذي يبدد شبابه في اللهو واللامبالاة ثم يحاول لاحقًا أن يعوض ما فات سيجد أنَّ الأوان قد فات بالفعل وأن الزمن مضى ولا يعود.

ومن هنا تتضح المعادلة البسيطة الشباب ثروة لا تُشترى لكنه يُستثمر، من يستثمر شبابه في طلب العلم وفي العمل الجاد وفي بناء القيم يحصد ثمار ذلك حين يتقدم في العمر، أما من يضيّع شبابه في التفاهات فلن تنفعه ثروته فيما بعد لأن ما ذهب من الزمن لا يُسترد.

كثيرون يظنون أن الثروة تقاس بما يملكه الإنسان من مال أو عقارات أو أرصدة في البنوك، لكن الحقيقة أن الثروة الحقيقية تكمن في الصحة والعمر والشباب، فماذا ينفع الإنسان أن يملك الملايين وهو طريح الفراش أو أن يعيش في قصور فخمة وقد غادره شبابُه فلا يجد القوة للاستمتاع بما جمع؟

الشباب يمنح الإنسان القدرة على تحقيق أحلامه على خوض المغامرات على بناء الإنجازات، إنه الرصيد الذي لا يُعوّض، ومن يفقده يدرك متأخرًا أن المال لا يعيد ما مضى وأن كل كنوز الدنيا لا تستطيع شراء لحظة واحدة من أيام الشباب.

حين يفقد الإنسان شبابه لا يعني ذلك أن الحياة قد انتهت، فالشيخوخة محطة طبيعية لها جمالها الخاص إذ تحمل معها الحكمة والنضج والخبرة، لكن الفرق يكمن في أن الإنسان الواعي يكون قد استثمر شبابه جيدًا فيدخل الشيخوخة راضيًا بما أنجز مطمئنًا إلى أنه عاش شبابه كما يجب، أما من أضاع أيام القوة في الغفلة فسوف يعضّ على أصابعه حسرة حين لا ينفع الندم.

من حديثنا نستنتج أن الحياة تقدم دروسها بلا مقابل وأحد أعظم هذه الدروس هو أن الشباب فرصة فريدة لا تُقدّر بثمن، ومهما بلغت ثروة الإنسان لن يستطيع أن يعيد الزمن إلى الوراء ولن يتمكن من شراء ما انقضى من عمره، لذلك فإن الواجب على كل إنسان أن يعيش شبابه بوعي وأن يغتنم أيامه قبل أن تمضي، لأن الزمن لا ينتظر أحدًا.

إنَّ الشباب ليس مجرد مرحلة عابرة؛ بل هو رأس المال الحقيقي للإنسان، فإذا أحسن استثماره عاش حياة كريمة مليئة بالإنجازات وإذا أضاعه فلن تعوضه أموال الدنيا كلها، فالعمر يمضي والشباب يزول ويبقى ما صنعه الإنسان في أيام قوته شاهدًا عليه.

الأكثر قراءة