قوانين النجاح بين الولاء والكفاءة في بيئة العمل

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

في عالم العمل المتغير، حيث يسعى القطاعان العام والخاص إلى تحقيق النجاح والنمو، تبرز تحديات كبيرة تواجه الكفاءة والجدارة في بيئات العمل.

يتردد كثيرٌ من القوانين والنصائح حول النجاح، لكنها في بعض الأحيان تصطدم بواقع مغاير، حيث تؤثر الولاءات القبلية والمحسوبيات على فرص التقدم.

هذا المقال يتناول ويطرح تساؤلات مهمة حول مدى تطبيق قوانين النجاح في ظل واقع اجتماعي ومهني معقد.

النجاح في الكتب شيء.. وفي واقعنا شيء آخر؛ حيث إن كثيرًا ما تنتشر عبر وسائل التواصل رسائل تحمل حكمًا ودروسًا تلهم البعض وتفتح أبواب التأمل والنقاش لدى الآخرين.

ومن بين هذه الرسائل، وصلتني مؤخرًا عبر واتساب رسالة من الأخ العزيز سعيد بن سهيل المعشني تتضمن خلاصة لما يُعرف بـ"القوانين الخمسة للعمل والنجاح".

وبعد نقاش مشوق في ذلك، استلهمت فكرة هذا المقال لأتساءل: هل تنطبق هذه القوانين على واقعنا العملي؟

القوانين الخمسة التي عرضتها الرسالة هي:

1- قانون القيمة: أعطِ أكثر مما يُتوقع.

2- قانون الاستمرارية: النجاح لا يحب الانقطاع.

3- قانون العلاقات: أنت لا تعمل في فراغ.

4- قانون التعلم المستمر: ما لا تطوره يتراجع.

5- قانون المبادرة: لا تنتظر أن يُطلب منك.

لا شك أن هذه المبادئ تحمل الكثير من الحكمة وتلخص دروسًا عميقة، لكنها -كما كتبت في تعقيبي- تبقى في النهاية إطارًا نظريًا، ينجح أحيانًا وتُعيقه أحيانًا أخرى الظروف والبيئة.

فقد تعمل بإخلاص وتمنح قيمة حقيقية، لكن لا تجد التقدير. وقد تبادر وتبدع، لكن في كثير من الأحيان يُحتسب ذلك عليك وليس لك؛ لذلك فهي ليست ضمانًا مطلقًا للنجاح، لكنها ترفع من فرصه متى ما صادفت بيئة مواتية وعدلًا في التقدير.

وهذا ليس رأيي فقط، بل خلاصة تجارب كثيرة سمعتها من إخوة وزملاء، وهو في النهاية رأي عام أكثر من كونه وجهة نظر فردية.

ولكن الواقع العملي في مجتمعنا يخضع لاعتبارات أخرى، حيث تتقدم الولاءات القبلية والمحسوبيات (فحتى تحصل على منصب أو ترقية لا بد أن يكون لك ظهر أو سند)، وأحيانًا النفوذ المالي والاجتماعي لا على أساس الكفاءة والاجتهاد.

هذا الواقع يُشعر أصحاب الكفاءة بالإحباط ويكسر دوافعهم نحو التفوق والعطاء.

ولعلي أذكر ما رواه لي أحد الإخوة الذين عملوا في مواقع مختلفة؛ إذ قال له مسؤول في بداية مشواره إن الطريق إلى المناصب لا تحدده الكفاءة فقط؛ بل حجم القبيلة والوجاهة الاجتماعية.

وقد سمعت قريبًا نفس العبارة من مسؤول آخر-رغم كفاءته وطموحه- لكنه كان يشتكي من اصطدامه بذات الحاجز. مثل هذه التجارب تكشف بوضوح حجم الإحباط الذي يواجه أصحاب الطموح والكفاءة في بيئة العمل.

ولا تتأثر الأفراد وحدهم، بل يمتد أثر هذه الممارسات إلى بيئة العمل نفسها، فتضعف روح التعاون وتزداد الحساسيات والتنافس غير الصحي بين الزملاء، مما يؤدي إلى تفكك الفرق إلى مجموعات متفرقة أو ما يُعرف بـ"الشِلَلِّيَّة".

وفي مثل هذه البيئات، لا يخلو الأمر من تنوع في أنماط الزملاء؛ فهناك الزميل المتعاون الذي يمد يد العون ويستحق أن تبادله التعاون، والزميل السلبي دائم الشكوى الذي يحسن أن تحفظ منه مسافة، وهناك المنافس الشريف الذي يدفعك للتطور، والباحث عن الشهرة الذي ينسب الفضل لنفسه، وقد تجد الصامت المراقب الذي يُقيِّم من بعيد.

والحكمة هنا ليست في أن نحب الجميع؛ بل أن نحسن التعامل مع اختلافاتهم، فتحافظ على احترامك لنفسك، وتضع العمل فوق كل اعتبار.

وهنا يظهر التناقض؛ فبينما تدعو القوانين الخمسة إلى أن تُقاس قيمة الموظف بما يقدمه من إنجازات، نجد الواقع يقيسها غالبًا بما يملكه من ولاء أو نفوذ اجتماعي. وبينما تحث على التعلم والمبادرة، نصطدم ببيئات عمل قد ترى في المبادرة تجاوزًا، وفي الإبداع تهديدًا.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، وهذا يوضح أن جوهر النجاح الحقيقي هو الكفاءة والإتقان، لا المحسوبية أو الانتماء.

وبناءً على هذا، يصبح الإصلاح والتغيير ضرورة عاجلة لا تحتمل التأجيل، فهي استثمار في حاضر ومستقبل مؤسساتنا ومجتمعنا؛ فبيئة العمل العادلة والشفافة التي تنصف الكفء وتشجع على التعلم والمبادرة، هي ما يصنع الفارق ويغذي المجتمع بطاقة إيجابية.

ويبقى السؤال الحاسم: هل نملك الشجاعة لنرفض أن تظل الولاءات والعلاقات هي الحكم، ونصرّ على أن تكون الجدارة والإبداع هما معيار التقييم؟

الإصلاح لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة لصالح حاضرنا ومستقبل أجيالنا.

إنها اللحظة التي ينتظر فيها مجتمعنا وقوانا العاملة منّا أن نكون على مستوى التحدي، لنُعيد بناء بيئة عمل تُكرّم العدل والكفاءة، وتحفّز الإبداع والتطوير.

والله من وراء القصد.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة