هيثم الهمام وعُمان السلام

 

سالم البادي (أبو معن)

يأتي عام 2025، وله أهمية وطنية ومحورية واستراتيجية مختلفة عن بقية الأعوام السابقة، كونه يأتي مواكبًا لاحتفاء سلطنة عُمان لأول مرة في التاريخ بيومها الوطني الـ281 في 20 نوفمبر المجيد، وهي ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية على يد الإمام المؤسّس أحمد بن سعيد عام 1744م.

ومنذ ذلك الحين، ظلّت الأسرة البوسعيدية حاضرةً في قيادة مسيرة الدولة ومواكبة نهضتها عبر السنين، محافظةً على توازنها واستقرارها الداخلي، ومواجهةً للتحديات والمتغيرات الخارجية، مُكرّسةً ثوابتها الراسخة وقيمها ومبادئها وسياستها الانفتاحية على العالم، مواصلةً مسيرة البناء والتجديد.

ونحن إذ نحتفي بهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا نتذكر الحقب الزمنية السابقة التي مرت بها بلادنا العزيزة، ونتذكر بطولات الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرضنا الطيبة الغالية الزكية شجرة الحرية والكرامة، لينعم بظلها كل أبناء الوطن.

إن واقع الحاضر وتباشير المستقبل ينبئان بأن بلادنا  عُمان مقبلة على مستقبل زاهر، وأن تباشير الخير قادمةٌ لا محالة، التي سينعم بها الوطن والمواطن وكل من يعيش على تراب هذا الوطن الطاهر رغم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها العالم من حولنا، والمتغيرات الجيوسياسية التي تطرأ على النظام الدولي بفعل العوامل المتغيرة مثل الاقتصاد والقوة العسكرية ونشوب نزاعات إقليمية، وعوامل المناخ، فضلًا عن التنافس التكنولوجي في ظل الثورة الصناعية الرابعة، والتي تتميز باختراق التكنولوجيا الناشئة في مجالات متعددة مثل الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة وغيرها، وتغيرات في موازين القوى التي تؤثر بطبيعة الحال بشكل كبير على الأمن والسلم الدوليين، وبلا شك أن هذه المتغيرات نحن جزء منها.

سلطنة الحكمة والسلام

“الحكمة والسلام” كلمتان التصقتا بسياسة سلطنة عُمان دوليًا وإقليميًا وعالميًا منذ قرون تاريخية خلت، وأصبحتا مقرونتين بسلطنتنا العزيزة على مر التاريخ.

سلطنة عُمان لم تكتسب سمة الحكمة حتى أصبحت شعارًا تتصف به بين الدول، بل هي جزء من إرثها الحضاري والتاريخي، وجزء من قيمها ومبادئها وسياستها منذ الأزل، وهي فطرة فُطر عليها أئمة وسلاطين بلادنا العزيزة على مر العصور.

الإمبراطورية العُمانية لما كانت في أوج ذروتها وتوسعها في إحدى الحقب الزمنية، والتي امتدت عبر الخليج العربي والمحيط الهندي، لها تاريخ بحري طويل، وازدهار تجاري واقتصادي وثقافي. جسّدت سلطنة عُمان من خلال هذا التاريخ سمعةً ومكانةً دولية عالمية جعلتها في مقدمة دول العالم في السياسة الحكيمة المعتدلة، وفي بناء أطر السلام وتعزيز التعاون، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز قيمة الاختلاف والتعايش السلمي واحترام الآخرين من خلال الحوار والتعامل بحكمة وعفو واحترام الثقافات المختلفة.

نهج ثابت وفكر راسخ

وفي العصر الحديث أرسى  السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه - نهجًا للتعايش السلمي وحسن الجوار. وتميّزت السياسة الخارجية العمانية بمبدأ التعايش السلمي وحسن الجوار والاحترام المتبادل، والذي أصبح مثالًا ونموذجًا دوليًا وعالميًا يُحتذى ويُشاد به.

وسار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- على هذا النهج السليم والحكيم، والذي أكّد في خطابه الأول لتسلّم الحكم على تعزيز التعايش السلمي وترسيخ مبدأ السلام في المنطقة، ونبذ الخلافات وحلّها بالطرق السلمية، واللجوء إلى وسائل الحوار والتفاوض والوساطة بدلًا من المواجهة أو العنف، خاصة في ظل هذه الظروف القاسية من الحروب والتوترات الإقليمية والدولية المتسارعة.

عهد هيثم

شهدت عُمان في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وخلال السنوات الخمس السابقة تحولات كبيرة وشاملة مستندة إلى رؤية “عُمان 2040” التي حققت إنجازات متعددة في كل القطاعات، مع التركيز على إصلاحات شاملة ونعرّج إلى بعضها:

أولًا: تمت مراجعة هيكلة مجلس الوزراء، وتعيين قيادات شابة.

ثانيًا: عُززت اللامركزية في إدارة المحافظات ومنح المحافظين صلاحيات أوسع.

ثالثًا: تمت إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لزيادة الكفاءة والشفافية وتقليل البيروقراطية.

رابعًا: عُزز النظام القضائي بإنشاء مجلس أعلى للقضاء لتعزيز العدالة والنزاهة والشفافية.

خامسًا: تم تحديث التشريعات لتتماشى مع رؤية “عُمان 2040”.

سادسًا: تنفيذ مشاريع استراتيجية مثل تشغيل ميناء الدقم، ومجمع لوى للصناعات البلاستيكية، ومصفاة الدقم، ومشاريع الطاقة المتجددة.

سابعًا: تحسّن كبير في مؤشرات الدين العام، حيث انخفض إلى نحو 34% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2024.

ثامنًا: تحسّن تصنيف السلطنة الائتماني وفقًا لمؤسسات دولية مثل “ستاندرد آند بورز” و”فيتش”.

تاسعًا: تطوير التعليم من خلال بناء مبانٍ مدرسية جديدة وتحديث النظام التعليمي بما يتواكب ومتطلبات العصر الحديث.

عاشرًا: تطوير قطاع الصحة بإنشاء مستشفيات جديدة وتوسعة أخرى وتطوير مؤسسات الرعاية الصحية الأولية.

أحد عشر: تشجيع المشاريع السكنية مثل مدينة السلطان هيثم كأول مشروع ذكي ومستدام في سلطنة عُمان، وتوسيع باب الاستثمار في المدن الذكية في جميع محافظات السلطنة.

اثنا عشر: تعزيز البنية التحتية للاتصالات الرقمية، وتشمل شبكات اتصالات متقدمة ومتكاملة وشاملة، مع التركيز على توسيع تغطية شبكات الجيل الخامس والألياف البصرية والربط الدولي، لدعم التحول الرقمي وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.

ثلاثة عشر: وضع حجر الأساس لـ”مجمع عُمان الثقافي” الذي يضم المسرح الوطني والمكتبة الوطنية وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.

أربعة عشر: الاستمرار في سياسة الحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

خمسة عشر: تعزيز الشراكات مع دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

ستة عشر: المساهمة في حل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية، مثل الأزمة اليمنية والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار في غزة.

سبعة عشر: الانضمام إلى اتفاقيات دولية جديدة لتعزيز حقوق الإنسان، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب.

زيارات سلطانية

ومنذ تسلّمه مقاليد الحكم في البلاد، جسدت الزيارات الدولية التي قام ويقوم بها جلالة السلطان هيثم بن طارق الرؤية السامية الثاقبة لفكر جلالته في بناء جسور التعاون والترابط بين الدول لما لها من أهمية كبرى على الصعيدين المحلي والدولي.

وتكتسب هذه الزيارات السامية لجلالته أهمية بالغة للأسباب التالية:

أولًا: تعزيز العلاقات الثنائية وتوطيد أواصر الصداقة والتعاون مع مختلف دول العالم، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

ثانيًا: تهدف إلى بناء شراكات استراتيجية في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية والاستثمارية.

ثالثًا: تسعى سلطنة عُمان إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الدخل القومي بما يتماشى مع “رؤية عُمان 2040”.

رابعًا: زيادة التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والدول المضيفة من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.

خامسًا: تعزز هذه الزيارات مكانة السلطنة إقليميًا ودوليًا، وتجسد الرؤية العُمانية للعلاقات الدولية القائمة على السلام والتعاون وحسن الجوار، مما يعزز مكانة السلطنة كدولة محورية في المنطقة.

وقد شملت قائمة الدول التي زارها السلطان هيثم بن طارق منذ توليه مقاليد الحكم في 2020، دولًا مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المملكة المتحدة، المملكة الأردنية الهاشمية، جمهورية الهند، جمهورية تركيا، مملكة هولندا، جمهورية مصر العربية، جمهورية ألمانيا الاتحادية، مملكة بلجيكا، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، جمهورية بيلاروسيا، جمهورية سنغافورة، ومملكة إسبانيا، بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي العربي.

تحديات متنوعة

بالرغم من أن الاقتصاد العُماني شهد خلال الخمس أعوام من حكم جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه تطورات كبيرة تعكس نجاح جهود التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية للدولة، ولكن ما زالت الحكومة تواجه بعض التحديات، ومنها:

أولًا: الاعتماد على النفط، يجعل الاقتصاد العماني عرضة لتقلبات الأسعار العالمية ويؤثر على الميزانية العامة، مما يتطلب تنويع مصادر الدخل.

ثانيًا: التباطؤ في القطاع الخاص؛ تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صعوبات في النمو والوصول إلى المناقصات الكبيرة وتوفير الضمانات اللازمة.

ثالثًا: تحديات سوق العمل؛ تشمل نقص العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وتزايد العمالة الوافدة والمنافسة على الوظائف، ومشكلة الإحلال، والطلب على مهارات جديدة لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة.

التحديات الاجتماعية

تكاليف المعيشة: يواجه المواطنون بعض التحديات المتعلقة باستمرار ارتفاع أسعار بعض الخدمات والسلع الأساسية بسبب موجة الغلاء المستمرة، فضلًا عن رفع الدعم الحكومي عن بعض الخدمات الضرورية، واستمرار فرض الرسوم والضرائب التي أصبحت تؤرّق المستثمرين والمواطنين.

وتُمثل أزمة الباحثين عن عمل مشكلة عالمية تتفاقم بسبب عوامل اقتصادية وتقنية وتعليمية، وتشمل أسبابها وجود فجوة في المهارات، وغياب خطط استراتيجية للتوظيف، وتفضيل العمل في القطاع العام، وتزايد أعداد خريجي الجامعات بشكل يفوق حاجة السوق، وغيرها من العوامل المتغيرة التي بحاجة إلى وقفة جادة وإرادة حقيقية من قبل المعنيين للتقليل من زيادة معدلات الباحثين وإيجاد حلول سريعة ودائمة وليست وقتية حتى لا تخرج عن السيطرة.

وأخيرًا.. نهنئ أنفسنا ونبارك لسلطاننا المفدى، ولكل من يعيش على تراب هذا الوطن الغالي عدد ذرات رماله الطاهرة، ولكل صانعي أمجاده الأبطال البواسل الذين بنوا بأفكارهم وعلمهم وبأيديهم بلادنا العزيزة، بذكرى مرور 281 على تأسيس الدولة البوسعيدية.

ونحن ما زلنا على العهد باقون، وعلى درب العلا والرفعة ماضون،

وكل عام وبلادنا العزيزة الغالية رايتها خفاقة ودام عزها وفخرها ومجدها على طول الزمان.

الأكثر قراءة

z