محمد السعداوي
في يومها الوطني المجيد، يحتفظ المصريون بمكانة كبيرة لإخوانهم العُمانيين، فهُم مَضْرب المثل في طيب المعشر وحسن الخلق، ولا يختلف مصريان زارا عُمان أو التقيا بأهلها أو علِمَا بأحوالها أن أهل عُمان من أفاضل الشعوب.
وعندما يرى المصريون عُمانيًا في شوارع القاهرة المزدحمة بملابسه الوطنية؛ الدشداشة والكمة أو المصر، التي تُميِّزه عن بقية العرب، تتفتح له العيون والقلوب سعيدة مُحِبة ومُقدِّرة، وتسعى نحوه الأقدام مُرحِّبة، والأيدي مُصافِحة دون سابق تعارف، كما حدث مع أحد الصحفيين بالقرب من ميدان التحرير، عندما سعى إلى صاحب الدشداشة والكمة دون سابق معرفة وعرض عليه خدماته وفاءً لجوانب المحبة والعرفان التي يدين بها كثير من المصريين لأشقائهم العُمانيين.
وعن عُمان تحدث المصريون بكل فخر وحب؛ حيث يقول الدكتور إبراهيم بركات ".. فعُمان بلد تجوبَ أرجاءَه وربوعه، فلا يأخذنك رهبٌ لأمنه وأمانه.... بلدٌ توجد بين سكانه وأهله، فلا تشعرنَّ إلا أنك قد نشأت وترعرعت فيه".
وعن حكاياته في عُمان يقول الدكتور أحمد درويش العميد السابق لكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس: "عندما يقع المرء في هوى بلد مثل عُمان فإن العلاقة به لا تقف عند تحليل معطيات العقل وإنما تتسرب الى الوجدان، وهذا ما حدث لي فقد أحببت التجربة العُمانية، وأعجبت مثل ملايين الناس بقيادة السلطان قابوس الحكيمة لبلده، ونجاحه الرائع في التركيز على بناء الإنسان، بدلا من الاكتفاء بتشييد البنيان ومظاهر الحضارة والعمران....".
إن المصري المعايش للمجتمع العُماني يلحظ فيه من السمات ما لا يجده في مجتمع آخر، فالبساطة مع العمق، ووضوح الرؤية مع عدم الإفصاح، توجد طيبة القلب والترحاب مع قلة التعبير عن المشاعر والأفكار، قلة الكلام مع امتلاك الفصاحة والبيان.
أحب المصريون عُمان وأهلها لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "لو أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، وخاطبهم أبوبكر الصديق بعبارات سطرت من نور شاهدة على حسن أخلاق العُمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق، قائلًا: "معاشر أهل عُمان إنكم أسلمتم طوعًا لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل، فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه؛ إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه؛ إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم، فأي فضل أبر من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم، كفاكم قوله- عليه الصلاة والسلام- شرفًا إلى يوم الميعاد، ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرمًا ورحل عنكم؛ إذ رحل مسلمًا وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابني الجلندى وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم، جزاكم الله خيرًا".
عُمان كانت ولا زالت صاحبة حضارة وتاريخ عريق وثقافات متعددة علما وفقها ولغة؛ فتاريخ عُمان ثري وثقافتها غنية بالعلماء الأجلاء، أمثال عالم اللغة الفراهيدي، والفقيه الإمام نور الدين السالمي، وابن رزيق المؤرخ والشاعر، والرحالة أسد البحار أحمد بن ماجد، وغيرهم. هؤلاء العلماء كانوا أصحاب علم وفكر وثقافة، أثروا بها تاريخ الأمة العربية والإسلامية؛ بل وساهموا في العلوم والثقافة الإنسانية بشكل عام، مثل تأثير البحار العُماني أحمد بن ماجد في علم الملاحة، واكتشافه لطرق ومسارات مختلفة للسفن، والعلامة عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري صاحب كتاب "الماء" أول معجم طبي لغوي في التاريخ، والطبيب والفيزيائي أبو عبدالله محمد بن عبدالله الأزدي.
التواصل بين مصر وعُمان قديمًا عبر ميناء سمهرم؛ حيث كانت تجارة اللبان تنتقل إلى مصر القديمة، واهتم المصريون القدماء باللبان العُماني واستخدموه في طقوسهم المقدسة التي يجريها كهنة المعابد المصرية، ووجدت نقوش شبيهة بالسفن العُمانية على جدران المعابد الفرعونية، وفي العام 1495 ق. م سيرت الملكة حتشبسوت حملة إلى بلاد بونت عادت محملة بالأخشاب واللبان والعطور والبخور والكحل وجلود الحيوانات؛ وفقًا للنقوش المدونة على معبد حتشبسوت.
عطاء عُمان لم يتوقف ومعينها لم ينضب؛ فعرق الأصالة ممتد، ونبض الحضارة ينبض، فمن صلب العالِم يخرج عُلماء؛ ومن رحم الحضارة، تولد حضارات، امتدت جذورها في التاريخ، وتفرعت أغصانها ممتدة بين الشرق والغرب، فمن سواحل الهند وإقليم جوادر إلى شرق ووسط إفريقيا امتدت الإمبراطورية العُمانية في عز مجدها؛ حيث ساهم رجالات عُمان المخلصين وتجارها وبحارتها في نشر الإسلام في شرق ووسط إفريقيا، والهند وشرق القارة الآسيوية بكاملها.
وفي مثل هذه الأيام تبارك مصر وأهلها لعُمان وأهلها اليوم الوطني العُماني، تحت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه؛ حيث تحتفل سلطنة عُمان باليوم الذي أسس فيه الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي للدولة البوسعيدية ووحد عُمان تحت رايته في 20 نوفمبر من العام 1744م.
إن اللقاءات المصرية العُمانية على مستوى القيادة العليا تعكس مدى خصوصية العلاقة بين سلطنة عُمان ومصر، أما عن التعاون السياسي والاقتصادي بين قيادة الدولتين متمثلة في جلالة السلطان هيثم بن طارق وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما تبع الزيارات المتبادلة من شراكات اقتصادية وسياسية تزدد كل يوم لصالح البلدين.
وتستمر العلاقة المصرية العُمانية ضاربة في جذور التاريخ ومورقة بثمارها الوافرة في مختلف مجالات التعاون والترابط الدائم والمستمر على المستوى الرسمي والشعبي، لتصبح نموذجًا فريدًا للعلاقات بين شعبين شقيقين، ونردد دائمًا في محبة عُمان كلمات من نور فعُمان هي:
قبلة الحب قديمًا // أصلها كان كريمًا
نافست حورًا وريمًا // وغدت تاج الحسان
