خالد بن حمد الرواحي
مع كلِّ خريفٍ تهطل في ظفار قطراتُ الغيث، ويختلط عبيرُ البخور برذاذ المطر، لتولد حكايةٌ متجددةٌ ترويها الطبيعةُ بلسان الأرض والإنسان. هكذا يطلُّ موسمُ الخريف؛ ليس مجردَ حدثٍ موسميٍّ عابر؛ بل مناسبةٌ وطنيةٌ وثقافيةٌ وسياحية تُجسِّد مكانةَ السلطنة على خارطة السياحة الإقليمية والعالمية. وقد حظي موسم خريف 2025 بحضورٍ يليقُ بمكانته، ليؤكد أن عُمان قادرةٌ على الجمع بين أصالة الماضي ورؤية المستقبل.
لقد كان لبلدية ظفار، بقيادة سعادة الدكتور أحمد بن محسن الغساني رئيس البلدية، وكافة العاملين فيها، دور محوري في إنجاح هذا الموسم بفضل الجهود المخلصة التي امتدت إلى أدق تفاصيل الإعداد والتنظيم. ويأتي ذلك امتدادًا للإرث الذي أسسه الشيخ سالم بن عوفيت الشنفري، رئيس البلدية السابق، الذي ترك بصمات واضحة في مسيرة العمل البلدي بالمحافظة.
كما لا يمكن إغفال الجهود الكبيرة لمكتب محافظ ظفار، الذي واصل العطاء بعملٍ تراكمي يُكمل ما بدأه معالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي، محافظ ظفار السابق، وصولًا إلى ما نشهده اليوم من نقلة نوعية تحت قيادة صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، جامعًا بين الاستمرارية والتجديد، ومضفيًا على الموسم بُعدًا حديثًا يتناغم مع طموحات المستقبل.
وقد شهدت البنية الأساسية للمحافظة نقلةً نوعيةً واضحة؛ إذ افتُتح نفق أتين كأحد أبرز المشاريع الحديثة التي أسهمت في انسيابية الحركة المرورية وتخفيف الازدحام. كما اكتملت أعمال ازدواجية شارع السلطان تيمور لتوفِّر شريانًا حيويًّا يعزِّز كفاءة شبكة الطرق. ومع هذه الإنجازات، تبقى الحاجةُ ماسّةً لمعالجة بعض الدوّارات التي تشكِّل تحدّيًا كبيرًا، وعلى رأسها دوّار برج النهضة، أيقونة المحافظة، الذي بات يتطلّب حلولًا جذرية عبر الإشارات الضوئية أو الجسور والأنفاق، بما يواكب الرؤيةَ المستقبلية لعُمان وخططَها الاستراتيجية.
أما على الصعيد السياحي والترفيهي، فقد جاء تنظيمُ الفعاليات هذا العام أكثر تنوّعًا وجاذبية؛ حيث تحوّلت ساحة أتين إلى مركزٍ نابضٍ بالحياة، احتضن العروضَ المسرحية، والعروضَ الترفيهية، وعروضَ الطائرات المسيَّرة، والألعابَ النارية الصديقة للبيئة، إضافةً إلى أسواق المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي منحت رواد الأعمال العُمانيين منصةً للتألّق والإبداع. لقد بدا الموسمُ لوحةً متكاملةً تُسعد الزوار، وتفتح أمامهم مساراتٍ جديدةً للتجربة والمُتعة.
ولا يقتصر أثرُ موسم الخريف على السياحة فحسب؛ بل يمتدُّ ليكون رافعةً اقتصاديةً حقيقية تُحرِّك عجلةَ الاستثمار والتجارة؛ فالفنادقُ والمطاعمُ والأسواقُ الشعبية تزدهر، والمشاريعُ الصغيرة والمتوسطة تجد في الموسم منصتها للتوسّع، فيما يحظى الشبابُ العُماني بفرصِ عملٍ موسميةٍ تثري خبراتهم. والأهم أنَّ الموسم أصبح نافذةً استراتيجية تتناغم مع رؤية عُمان 2040، ليعكس للعالم هويةَ السلطنة الثقافية، وفرصَها الاستثمارية، ومكانتها المتنامية كوجهةٍ سياحيةٍ رائدة.
وتزخرُ محافظة ظفار بمقوماتٍ جماليةٍ فريدة؛ من الجبال الخضراء إلى السهول الممطرة، ومن الشواطئ الساحرة إلى العيون المائية المتدفقة. هذا التنوعُ الطبيعي يتكامل مع موقعها الجغرافي المميّز على بحر العرب، ليجعلها قبلةً سياحيةً متفرِّدة. ويزيد من رونقها أهلُها الطيِّبون الذين يجسِّدون القيمَ العُمانية الأصيلة في الكرم والوفاء والاعتزاز بالوطن؛ فيغدو الزائر في رحابهم كأنّه بين أهله وذويه.
ولم يكن هذا النجاحُ ليتحقّق لولا تكاتف الجهات الحكومية التي عملت بروح الفريق الواحد؛ فجاء الأداءُ متكاملًا يعكس الجِدّية والحرص على إبراز الموسم بأبهى صورة. وقد كان لِـشرطة عُمان السلطانية دورٌ بارزٌ في حفظ الأمن وتنظيم حركة السير وتسهيل تنقّل الزوار، ما منح الجميع أجواءً من الطمأنينة والارتياح، وأكّد مكانةَ عُمان كوجهةٍ سياحيةٍ آمنةٍ ومستقرة.
وفي الختام.. يبقى موسم خريف ظفار أكثرَ من مجرد حدثٍ موسمي؛ إنّه قصةٌ وطنيةٌ تتجدد كلَّ عام، ترويها الطبيعةُ بلسان الأرض والإنسان، وتترجمها الجهودُ المخلصةُ في التخطيط والتنفيذ. وما يتحقّق اليوم من نجاحاتٍ ليس سوى امتدادٍ لمسيرةٍ طويلةٍ من العطاء، صنعتها أيادي الأوفياء من أبناء الوطن. وهكذا تتحوّل صلالة إلى عاصمةٍ للجمال في الخريف، وإلى جسرٍ يربط عُمان بالعالم، مؤكِّدةً أنَّ الاستثمار في المكان والإنسان معًا هو السبيلُ الأمثل لصناعة المستقبل.