القوة الشرائية في أسواقنا.. المشكلة والحل (2- 3)

 

 

ناجي بن جمعة البلوشي

متابعةً للحلقة الأولى من هذا المقال، فإنّه افتراضًا إذا كانت أغلب تلك المنتجات والخدمات لم تتأثر مبيعاتها؛ فهذا يعني أن الأفراد المستهلكين يوزّعون أموالهم على مؤشر السوق بشكل إيجابي، بينما إذا وجدنا خدمات ومنتجات ما تنشط دون الأخرى، فإن هذا يعني اعتلالًا في توزيع صرف الأموال في السوق ومنتجاته وخدماته، أو أن خللًا ما أصاب المستهلكين أنفسهم، وهو بذاته مؤشر على ضعف القوة الشرائية.

وإذا وصفنا أسواقنا على أنها أسواق يوزّع المستهلكون فيها أموالهم على مؤشر السوق بشكل إيجابي، وذلك لما نراه من تنوع وتطور ملحوظ في المنتجات والخدمات وشموليتها في كل مناطق وولايات السلطنة، فإننا أيضًا لا نغفل بالذكر أن هناك عوامل مؤثرة بشكل قاطع على تشتّت القوة الشرائية في محافظة مسقط على وجه الخصوص وفي باقي أسواقنا بشكل عام. وهنا سنضع شيئًا منها، ومن ثم نضع الحلول التي قد تساعد المختصين في السير على خطاها لتغيير الحال إلى ما يمكن لهم الوصول به، ولكي يكون التحليل أكثر دقة وشفافية، نتناول هنا محافظة مسقط بشكل دقيق مع الأخذ باختلاف العوامل المؤثرة عليها.

العوامل المؤثرة من الجانب الحكومي

  • الاقتصاد السلوكي: يستوجب على الجهات الحكومية أن تأخذ بالاعتبار علم الاقتصاد السلوكي وذلك عند اتخاذها بعض القرارات التي أثرت بشكل مباشر في تشتّت القوة الشرائية لمجرّد عدم تقدير أو فهم مسار سلوك المستهلكين، ومن جانبها ساعدت تلك القرارات في استمرار نشاطهم في ذات المسار، وهو بحد ذاته نهج يمكن التوقّف عنده وإعادة ضبطه لمعرفة الفجوة الموجودة بين ما يؤكده العلم وبين ما يُتَّخذ من قرارات. ومن بين تلك القرارات مثلًا رسوم مواقف السيارات في ولاية مطرح فور خروج الولاية من الحظر والإغلاق الذي تسببت فيه جائحة كورونا، والذي أدى فعليًا إلى انتقال الكثير من السكان إلى السكن في مناطق أخرى؛ فساعد هذا القرار من تبقى منهم على اتباع النهج نفسه، مما أضعف بدوره انتقال القوة الشرائية في الولاية. ومثال آخر ما فُرض مؤخرًا بمنع تداول أكياس البلاستيك في محلات البيع بالتجزئة؛ فهذا القرار يُشجِّع ما تبقّى من المستهلكين في توجههم للشراء والتبضّع الافتراضي من داخل أو خارج السلطنة.
  • غياب التنظيم الحقيقي للأسواق التقليدية؛ حيث إن أسواق المعبيلة الصناعية مثلًا- لا يمكن قراءتها: هل هي أسواق مواد بناء، أو صناعة الأبواب والنوافذ، أو ورش ألمنيوم وحدادة وخراطة، أو أنها أسواق صيانة المعدات والأدوات الكهربائية، أو أسواق إصلاح وبيع السيارات وقطع الغيار؟ وفي الحقيقة يصعب التنقّل في مثل تلك السوق سيرًا على الأقدام أو من نقطة إلى أخرى بسبب عدم التنظيم لشراء غرض معيّن؛ فعشوائية التنظيم ولّدت سلوك التوجه إلى أسواق الدول المجاورة التي يصلها المستهلك ويجوبها سيرًا على الأقدام في شوارع وأسواق مخصّصة لكل غرض وسلعة.
  • ضعف الكثافة السكانية مقارنة بالمساحة الجغرافية والتوسع الأفقي العمراني الذي لا يزال مستمرًا حتى في مخطط مسقط الكبرى؛ مما يقضي على وجود مركزية للمدينة بسبب الامتداد اللامتناهي والتخطيط المستحدث والأسواق المستحدثة.
  • اختفاء الطبقة المتوسطة من مشهد السوق بسبب القرارات، وخاصة في جانب العمال الأجانب، الذين يُمثّلون العدد الأكبر من سكان محافظة مسقط؛ فهم القوة الشرائية الحقيقية الفاعلة في أيام إجازة نهاية الأسبوع والإجازات الأخرى، كما إنهم شاغلو كل جوانب الخدمات والأنشطة اليومية في المدينة، حيث تنشط الأنشطة والخدمات التجارية الأكثر كفاءة واحترافية وتنوعًا.
  • عدم متابعة النشء السلوكي حتى يصل ذلك السلوك إلى سبب من أسباب ضعف القوة الشرائية على منتج أو خدمة معيّنة، كحصول الطالب في فترات دراسته من المقاصف المدرسية على المأكولات السريعة؛ ليؤثر ذلك مستقبلًا على نشاط تجارة المطاعم، وليكون سببًا في انتشار منافذ بيع المأكولات السريعة المؤثرة على الصحة العامة.
  • قلّة التوعية والتوجيه والإرشاد للمستهلكين دون الاستفادة من مقدّرات الدولة وبنيتها الأساسية؛ فالمستهلكون هم وحدهم القادرون على أن ينشطوا سوقًا أو منتجًا أو خدمةً دون معرفة السبب الحقيقي وراء ذلك، ما يجعلهم يقضون على نشاط سوق أو منتج أو خدمة أخرى، دون دراية بهذا التصرف. والسبب الوحيد هو أنهم يسلكون سلوكًا اقتصاديًا خاصًا؛ إذ إن وجود سوق مطرح دون تغيّر في ملامحه، بتعزيز انسيابية الطرق وإتاحة دورات للمياه، ومبادرة للتكييف والمواقف وخدمات الإنترنت المجاني وخدمات أخرى، سيجذب المستهلك المحلي إليها، ليُحوِّل السوق يومًا ما إلى مزارٍ للسائحين لا أكثر.

الأكثر قراءة