"تجاوب" لا تتجاوب!

 

 

 

ناجي جمعة البلوشي

 

في منظومة العمل الحكومي، تتجلّى توصيات مجلس الوزراء الموقر بوصفها نبضًا يضبط إيقاع الأداء العام، ويرسم للوزارات طريقها نحو خدمةٍ أكثر كفاءةً واتساقًا مع رؤية الدولة ومقاصدها العليا وانسجاما مع مبادئ رؤيتها الوطنية "عُمان 2040".

وهذه الرؤية ليست نصوصًا إجرائية، بل إرادة توجيهٍ رفيعٍ يُفترض أن يجد في كل وزارة عقلًا منفذًا وضميرًا يقظًا، خاصةً وأنه وفي كل خطاب لجلالة السلطان المعظم نتلقى نهجًا قويمًا ومسارًا واضحًا لبناء لبنات الإصلاح، وأن على الوزارات أن تكون أذرعًا فاعلةً في خدمة الوطن والمواطن على السواء. وحيث إنّ مجلس الوزراء الموقر قد حرص على إصدار التوصيات التي تُعنى بتحسين الأداء وتجويد الخدمات ورفع كفاءة المؤسسات في تفعيل تلك الوزارات لمنظومة منصة "تجاوب"؛ فهي توجيهاتٌ ملزمة تمثل خلاصة الرؤية الحكومية، إلّا أنه ومن المؤسف أن نلاحظ بعض الوزارات ما زالت تتباطأ في استيعاب هذا المبدأ، فتغيب عنها وتتأخر في تطبيق ما أُنيط بها، لينشأ من ذلك خللٌ بين مراد القرار وواقع التنفيذ حيث العمل الوزاري في معدنه يقوم على تحقيق الأثر العملي الذي يلمسه المواطن وتلاحظه الجهات الرقابية ويسمو بالسلطنة.

ولأن التوصية التي تُنفّذ بوعيٍ ومسؤوليةٍ مؤكد أنها ستُصبح لبنةً من لبنات البناء، أما تلك التي تُؤجَّل أو تُنفّذ بفتور، فإنها تُضعف فاعلية الجهاز الإداري للدولة وتشوّه صورة الجهد الحكومي برمّته.

ولعلّ من مقتضيات المرحلة أن تتبنّى الوزارات نهجًا أكثر جدّية في قراءة التوصيات الحكومية، فتتعامل معها باعتبارها إطارًا موجِّهًا للعمل لا مجرد بندٍ، فيكون الالتزام بالتوصيات العليا ليس واجبًا شكليًا؛ بل معيارُ نزاهةٍ وكفاءةٍ وولاءٍ للوظيفة العامة، فبقدر ما تُحسن الوزارات استجابةً لما يُوجَّه إليها، بقدر ما ترسّخ احترامها للمؤسسية وصدقها في أداء المسؤولية.

لقد وضعت الحكومة منصة "تجاوب" كأداة فعّالة من جانب الجمهور تنظر من خلالها ما يصبو إليه المواطن والمقيم والمستثمر والسائح والزائر، وهي أداة يُناط بها تحسيناتٍ أو إصلاحاتٍ خدمية مستقبلية توضع في خططها التنموية لمسار التنمية الشامل، فدونها قد تغيب المتابعة والآراء والاقتراحات وغيرها مما يخدم الصالح العام، فيتأخر الأثر، وتتراجع ثقة المستفيد في جدوى تلك الجهود المبذولة. والقيادة الرشيدة تولي اهتمامًا بالغًا في سرعة استجابتها ودقّة أدائها الحكومي بمصداقية، لأنها ترى في ذلك الالتزام معيارًا للانضباط، ودليلًا على احترام مرجعية القرار وجزء من المنظومة التنفيذية التي تحفظ انتظام العمل وتمنح القرارات قوتها ومكانتها.

وحيث إنَّنا اليوم في مرحلة لا تحتمل التراخي ولا تستسيغ الأعذار، فحين يتأخر التنفيذ يتأخر الأثر، وتتسع الفجوة بين الرؤية والتطبيق، مما يخلق ثقافةٍ إداريةٍ ضعيفة داخل الوزارات نفسها فلا تُقدّر فيها قيمة الالتزام، بل ولا تعدّ الاستجابة للتوجيهات معيارًا للكفاءة والجدارة. وتقاعس وحدة حكومية عن تنفيذ ما أُوكل إليها، إنما يُسيء إلى صورة الدولة، ويخذل المواطن الذي انتظر منها الوفاء بالعهد.

ومن هنا، فإنّه يتوجب على الوزارات وقفةَ مراجعةٍ وصدقَ مساءلة، تتجدد بها الروح وتُستعاد بها المهابة، فليس من اللائق أن يعلو نداء الإصلاح من مجلس الوزراء الموقر، بينما تصغي بعض الجهات ببطءٍ مريب أو صمتٍ مع الجمود. ولْيكن معلومًا أن الوطن لا يرضى إلا بما يليق باسمه، وأن مجلس الوزراء الموقر حين يُوجّه، فإنما يدعو الجميع إلى معراجٍ من الكفاءة والانضباط، لا مكان فيه للتسويف، ولا عذر فيه للقصور، فسنن الدول الراسخة تقوم على مؤسساتٍ تُجيد الإصغاء إلى صوت القيادة، وتستشعر قداسة التكليف حين تصدر التوجيهات؛ بل واستجابة لما يبذله مجلس الوزراء الموقر من جهدٍ كريمٍ في رسم السياسات، وصياغة المبادرات، وإرساء معايير الجودة في أداء الأجهزة الحكومية، من أجل الصالح العام وراحة المواطن والنهوض بالوطن.

وليس في ذلك شك أو ريب، فحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أكد- في أكثر من مقام- أن المسؤولية أمانة، وأن من حمل التكليف حُمّل الشرف والمساءلة معًا؛ فليس في العمل العام مساحةٌ للجمود أو التراخي، ولا في خدمة الوطن فسحةٌ للتسويف أو التذرّع بالمعوقات. فكل توصيةٍ سامية هي وعدٌ للوطن، والوعد لا يُؤجَّل، ولا يُتنازل عن الوفاء به.

ولْتتذكّر كل وزارة أن رفعة مقامها من رفعة عطائها، وأن مجلس الوزراء حين يُوجّه، فهو لا يُوجّه لذاته؛ بل للوطن كلّه. ومن أدرك هذا المعنى، جعل من كل قرارٍ نبراسًا، ومن كل توصيةٍ عهدًا، ومن كل خدمةٍ طاعةً للوطن، قبل أن تكون واجبًا وظيفيًّا.

الأكثر قراءة