ناجي بن جمعة البلوشي
في كل عامٍ، يُطل السادسُ والعشرون من أكتوبر؛ حيث يُشرق في سمائكِ يا أرضي وموطني العظيم يومٌ ليس كسائر الأيام؛ يومٌ خُصص للشباب في لفتة كريمة من باني النهضة الحديثة الراحل السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وبدعم سخي من مجدد مسيرة النهضة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- هذا اليوم الذي في حقيقته عيدُ الأمل للشباب، وموسمُ النهوض الوثاب، ومهرجانُ الروح حين تُزهر فيها عزيمةُ الإنسان؛ فاليوم الذي خُطَّ على صفحة الزمان بمدادٍ من المجد، وأُعلن فيه أنَّ الشباب ليسوا أبناءَ الحاضر فحسب؛ بل صنّاعُ الغد، وحُرّاسُ الرسالة، ومهندسو المعنى في كل لبنةٍ تُقام لبناء هذا الوطن العريق.
يا شبابَ عُمان، أنتم النورُ الذي تقتبس منه البلادُ مصابيحها، والريحُ التي تدفع السفينة نحو آفاقٍ لا تحدّها المياه. فيكم وهجُ الطموح، وفي عيونكم بريقُ الإرادة التي لا تخبو، كأنها شُعلةُ نارٍ عُمانيّةٍ أزليةٍ اشتعلت على سفوح الجبال الشمالية في مسندم وامتدت عبر شطآن النهضة إلى أقصى الجنوب لترى من قمم سلسلة جبال سمحان في ظفار المجد.
لقد آمن السلطان الراحل بقدرتكم على النهوض بالوطن فكان سلطانا حكيما حيث رأى فيكم وعدَ النهضة وثمار الغرس، فقال: "إنّ الأمم لا تنهض إلا بسواعد شبابها." ومنذ ذلك القول، سال نهرُ الإلهام في عروق الوطن من أبنائه، فأنبت أجيالًا تعرف أن العطاء منهج، وأن خدمة الوطن في أشرف الميادين أي على أرضه واجب مقدس. فاليوم لكم أن تفتخروا في يومكم هذا، ليُصافح المجدُ وجوهكم، وتُزيَّن السماءُ بأحلامكم، وتُفتح الدروب أمام أقدامٍ لم تعرف التردد يوما. فأنتم جيل اليوم الذي يكتبُ التاريخ للمستقبل لا بالحبر، بل بالفعل؛ لا بالكلمات؛ بل بالمنجزات المشهودة.
يا أبناءَ عُمان، سيروا على هديِ أجدادكم الذين طوّعوا البحر بين أيديهم وسفنهم، وحرثوا الرمل في كل بيئاته وتضاريسه، وأقاموا من الصخر حضارةً؛ بل حضارات تشهد لها النجوم وبقايا بيوت حمراء العبريين شاهد. اجعلوا من هذا اليوم ميثاقًا يتجدّد بينكم وبين الوطن، وأعلموا بأنّ المجد لا يُورث، بل يُصنع بأيد، وأنّ رايةَ الوطن لا تُرفع إلا بسواعدٍ مؤمنةٍ تُحبّ الأرض كما تُحبّ السماء والهواء للوطن. فلتكن أصواتكم نغمًا من نغمِ النهضة، وقلوبكم مرآةً للعزمِ والإيمان، ففيكم تتجدّد عُمان شابّةً أبد الدهر، نابضةً بالعزة، ماضيةً نحو غدٍ يليق بتاريخها المجيد.
يا أيها الشباب العُماني، أنتم نغمةُ الحياة في السكون، وأنتم مداد الصفحة البيضاء التي يكتب عليها الوطنُ قصيدته الكبرى. وفي مآقيكم وهجُ البحر، وفي أكفّكم صلابةُ الجبل، وفي أرواحكم دويُّ التاريخ حين يستفيق من سباته ليعلن ميلاد المجد من جديد.
لقد شاء السلطان قابوس- طيّب الله ثراه- أن يُؤرِّخ لهذا اليوم يوم يكون للشباب فيه عهد خالد بينهم وبين الوطن، إذ علم أن الأمم لا تُبنى بالحجارة؛ بل بالهمم، ولا تُقام بالحدود؛ بل بالقلوب التي تؤمن، ولا تُخلّد بالأموال؛ بل بالعقول التي تبتكر وتُجدّد. ومنذئذٍ صار يوم الشباب العُماني عنوانًا على أن النهضةَ لا تنتهي والسمو لا يتوقف، بل يتناسل كالنور في المرايا.
وها نحن اليوم في عهد مولانا السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- نلقى فيكم عظيم الاهتمام السامي والرعاية الكريمة من لدنه في كل خطاب ومحفل ومناسبة، ففي خطابه الأول قال مخاطبا إياكم: "إن الشباب هم ثروة الامم، وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني، هم حاضر الامة ومستقبلها وسوف نحرص على الاستماع لهم".
ويا شباب الوطن، يا أبناءَ المجدِ الموشّى بالبحر والسفن واللبان والأفلاج والعلعلان والشلي، كونوا مع الله يكن معكم فإنّ الله إذا أحبَّ أمةً، أودع في شبابها سرّ النهوض، وعلّمهم أن العُمر لا يُقاسُ بالسنين؛ بل بالأثر. وهكذا كنتم، أنتم سلالةُ الطموح، وحراسُ الكبرياء، وسدنةُ الأمل.
بكم تُزهر الحروف إذا نُطقت كلمةُ "عُمان"، وبكم يتجدّد العهد بأن الأرض لا تُنبت إلا لمَن يُشبهها في الصبر والكرامة والخلود.
هيا انهضوا واكتبوا في دفتر الغد ما يُبهج التاريخ عنكم واصنعوا من عزائمكم جسرًا يعبر به الوطن إلى غده البهيّ. واعلموا أن المجد لا يُمنَح كما تُعطى الهبة، بل يُنتزع كما يُنتزع السرّ من الغيب. ففي هذا اليوم، تتزيّن عُمان بنداءٍ واحد: أنّ الشبابَ في عُمان ليسوا ركنًا من أركان الحاضر فحسب، بل هم روحُه، وهم وعدُه، وهم سِرُّ الخلود في دولةٍ خُلقت لتبقى.
سلامٌ على الشباب إذا تنفّسوا عشقًا، وسلامٌ على عُمان إذا ابتسمت بهم، وسلامٌ على هذا اليوم الذي يكتب في دفتر السماء أنّ للأوطان أرواحًا، وأنّ روح عُمان شبابها؛ فهُم وحدهم القادرون على أن يُولِّدوا الفكرةُ في رحمِ الإرادة، ويبتكروا الحلول باسمِ الأرضِ التي إذا مسَّها العزمُ اهتزّت وأورقت، وهم العازمون على بقاء الخُلِق ليكونَ صدى الشباب في وجدان الوطن والزائر.
