د. عبدالله الأشعل **
صدر قانون الخلع في مصر عام 2000 (القانون رقم 1)، وتوالت الدعاوى بالآلاف من نسوة يرفضن أزواجهن، أو دفعهن الأزواج دفعًا إلى الخلع تجنّبًا من حصول الزوجة على حقوقها كاملة عند الطلاق.
لكن المرأة تخسر كل شيء بالخلع وتفوز فقط بحريتها من أسر الرجل. والخلع له أصول في الشريعة الإسلامية وفي ممارسات الرسول الكريم.
وقد احتدم الجدل حول قانون الخلع بين فريقين: الفريق الأول، وهو الأوسع، يرى أن قانون الخلع الذي تنتقل بموجبه سلطة الطلاق من الزوج إلى القاضي يترتب عليه أن القانون مناقض للشريعة الإسلامية التي تؤكد أن حل عقدة الزواج أساسًا بيد الزوج. ويترتب على الخلع غير الشرعي أن زواج المرأة بعد الخلع يعتبر زنى، لأن الأصل أن الزوج وحده يملك سلطة الطلاق، وحتى العقود التي تتلاعب في ذلك كأن تضع حق الطلاق بيد الزوجة، فإن مثل هذا العقد باطل لأنه يخالف الأصل في الشريعة.
وقد حدّد الأزهر الشريف في مصر موقفه في فريق ثالث؛ حيث منح الخلع للزوجة ليوازن حق الزوج في الطلاق. واتّهم البعض القانون بأنه يستجيب لرغبة الحكومة، ورآه آخرون متوازنًا.
وبهذا الموقف المعاكس للقانون اتُّهم الأزهر بأنه انتصر للسياسة ورغبة الحكومة ضد الدين، بينما اعتبر الأزهر أن موقفه انتصار للعدل، وأنه انتصار للحق على الباطل، وعدم بيع الآخرة بالدنيا، إلى آخر هذه المنظومة المألوفة في مثل هذه المواقف.
والملاحظ أن هذا القانون أثار لغطًا كبيرًا حول ظروف إصداره، ورآه البعض صورة من صور انتصار المرأة على الرجل، وأنه جاء بسبب ضغوط الخارج وحركة المرأة التي انتصرت لها سوزان مبارك، حرم الرئيس المصري الراحل. وحول هذا الوقت تم إنشاء المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2003، الذي كنتُ الأمين العام له بعد أن دخلتُ عضوًا فيه عام 2012.
وقد طمأن موقف الأزهر المؤيدين للقانون من فريق العلمانيين، واعتبر الرأي العام أن موقف الأزهر طبيعي ومنحاز لموقف الحكومة منذ قانون إصلاح الأزهر الذي سيطر به جمال عبدالناصر على الأزهر.
الرأي الصحيح: الأصل أن الطلاق بيد الزوج وفق الشريعة الإسلامية، لكن بعض الأزواج يظلمون الزوجات وينتهكون أحكام الزواج في القرآن الكريم وتوجيه القرآن للزوج: إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد حذّر القرآن الكريم من استخدام هذا الحق بشكل ينطوي على ظلم للمرأة، وحذّر من التعسف في استخدامه. كما حذّر من دفع الزوج للزوجة نحو الخلع حتى يحرمها من جميع الحقوق.
الخلع كأحد وسائل حل عقدة الزواج وفق قانون الخلع قد يكون فيه ظلم للمرأة إذا كان الزوج سيئ النية. ولا شك أن قانون الخلع تقرّر واطمأن إليه باعتباره مطابقًا للشريعة في ضوء واقعة الخلع التي أجراها رسولنا الكريم.
ولكي نتأكد من سلامة قانون الخلع، لا بد من إعادة النظر فيه بحيث لا يجرّد الزوجة من جميع الحقوق مقابل حريتها وانفصالها عن زوج رفض الطلاق وكانت نيته سيئة، وتعمد أن يظلم الزوجة ويرغمها على قبول أوضاع ظالمة.
والخلع عادة لا يستطيع القاضي أن يرفضه إلا بشروط معينة، وهو حل وسط بين الزوج والزوجة، فإذا استحالت العشرة بينهما، وفشلت الزوجة في إقناع القاضي بذلك، استحال التطليق. وفي هذه الحالة يأتي الخلع حلًا تفاديًا لانفجار العلاقة بين الزوجين.
والزوج الشهم لا يقبل أن تبقى في عصمته زوجة كارهة له، وموقف الأزهر متوازن صحيح، لكنه ابتدع عدالة جديدة وتوازنًا جديدًا بين حق الزوجة في الخلع وحق الزوج في الطلاق. والتبرير الوحيد المقبول أن القانون يتعامل مع التعسف في استخدام الحق، وأساسه الشرعي مخالفة الرجل قاعدة "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". وهذا أوفق من فكرة "التوازن" التي رآها البعض في موقف الأزهر؛ فيكون الخلع حلًا لتعسف الزوج في استخدام حقه في الطلاق، وهذا يستخلصه القاضي من التحقيق في العلاقات بين الزوجين.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا.