أنا رد فعلك

 

 

 

ريم الحامدية

reem@alroya.info

 

ليست الكلمات مُجرد حروف تتساقط من أفواهنا، إنَّ كل ما نقوله طيور تحلق نحو الآخرين، إما إن تهبط على نوافذهم محملة بالدفء أو تسقط كالحجارة على أرواحهم، فالكلمة قادرة على أن ترفعك فوق الغيم أو تحبس أنفاسك تحت الماء، وهذا ما نلاحظه ونشعر به، لو تساءلت كم كلمة كانت كفيلة بتغيير مسار يومك بالكامل؟ وقد تغير حياة كاملة بلا عودة، كلمة طيبة تقال في لحظة صدق تفتح أبواب الأمل في حين ظن القلب أنَّ كل الأبواب مغلقة، وكلمة جارحة قد تهدم ما بنى شخص في سنين طويلة، كريح عاصفة تهب على بساتين مزهرة فتسحق كل ما أمامها.

توقيت الكلمة سِرٌ لا يقل أهمية عن معناها، هناك لحظات يحتاج فيها القلب إلى لفتة صغيرة وعبارات بسيطة لتُعيد إليه توازنه، وقد تكون نفس الكلمات بلا جدوى إذا جاءت متأخرة، كما المطر الذي يهطل بعد أن ذبل الزرع وانتزعت جذوره، الحكمة تكمن في أن تعرف متى تتحدث ومتى تصمت ومتى تكون كلماتك بلسمًا بدلاً من أن تكون صدى فارغاً.

من نحن لولا لُطف كلماتنا؟

كل كلمة ننطقها تحمل جزءًا من أرواحنا ومرآة صامتة لما نحمله في قلوبنا لذلك علينا أن نُراعي كيف نختار كلماتنا في المواقف أن نقيس أثرها على من يقرأها ويسمعها أن نتخيل الطريق الذي ستسلكه عباراتنا قبل أن تخرج؛ فالكلمات ليست مُجرد أصوات؛ بل جسور تصل، وأجنحة تطير بنا أو سلاسل تُقيدنا.

الكلمة الطيبة قادرة على بناء حياة، كلمة واحدة قد تزرع الأمل في قلب كان يتيه في الظلام تفتح أبواب النجاح أمام شخص عانى من خيبات الأيام تحفزه وتخرجه من أعماق اليأس إلى نور الثقة، وجرس ينبه الروح بأنَّ الغد أفضل، والكلمة الحسنة كنسمة الربيع تمُر على القلوب فتلين الصلابة ويذوب الجليد، وقد تزيل ضغائن عفا عليها الزمن وتعيد دفء العلاقة بين روحين ابتعدتا عن بعضهما؛ فالكلمة قادرة على شفاء جراح وعلى ربط ما انقطع وعلى إعادة الحياة إلى صمت كان خاويًا.

وفي المُقابل، كلمة جارحة على الجانب الآخر قد تهدم، قد تقطع رزقًا وتُفسد علاقة وتُفكِّك أسرة، وتدفع شخصًا إلى الانحدار وتُغرقه في ظلمة لم يكن يتوقعها، لذلك علينا أن نلطف كلماتنا ونحسن اختيارها ونزِن كل حرف قبل أن ينطق لأن كل كلمة تكشف عن دفء القلب أو قساوته وعن احترامنا للآخرين أو تجاهلنا لهم.

فلتكن كلماتنا جسورا لا حواجز؛ لنزرع بها حياة ولنحفز بها من حولنا ولنحملها كضوء في دروب الآخرين؛ لأنَّ أثرها يبقى طويلًا.

وفي نهاية المطاف.. تظل الكلمات أرواحًا صغيرة تتنقل بيننا، مثل الرياح في صيف هادئ بعضها يمر بلطف، فيحرك غصون القلب، فتتمايل بلا ألم وبعضها يندفع بقوة فيقلب الأرض تحت أقدامنا، فكل كلمة تُقال هي فرصة لزرع أمل أو لفتح نافذة على ضوء لم نره من قبل، وفي كل مرة نختار الكلام بعناية، نكتشف أننا صنعنا عوالم نملأها بالدفء والحب والأمان والطمأنينة بالنور أو الظل.. فلتكن كلماتنا مفاتيح لا أقفال، أجنحة لا قيود، وضياء يترك أثره في القلوب قبل أن يُغادر اللسان.

الأكثر قراءة