محمد رامس الرواس
تتصاعد حدّة الجدل والتفاعلات حول تصريحات المقرّرة الأممية المعنيّة بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، سيّما دعواتها لتحويل الأقوال والبيانات الدولية -خاصة الأوروبية- إلى إجراءات وعقوبات ملموسة ضد الكيان الإسرائيلي. هذه الدعوات، التي غالباً ما تتّسم بالصراحة والجرأة، أثارت ردود فعل متباينة بين الترحيب والتأييد من جهة، والرفض والاستنكار الشديد من جهة أخرى، خاصة من قبل إسرائيل وحلفائها.
إن جوهر دعوات ألبانيز ينبع من مشاهد الجرائم الوحشية الفادحة التي ترتكبها دولة الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وقد طالبت بتفعيل العقوبات التي تستحقها إسرائيل.
تتمحور تصريحات ألبانيز الأخيرة حول ضرورة مساءلة إسرائيل عن "الوحشية الفادحة" التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، ووصفت مرارًا ما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية"، وأدرجت ذلك في تقاريرها الأممية. وقد دعت صراحةً الدول التي أبدت رفضها لهذه الممارسات إلى "معاقبة إسرائيل الآن"، مؤكدة أن الواجب الأول الذي يقع على عاتق المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الأوروبية والعربية، هو ضمان إنهاء الإبادة الجماعية عبر القصف والقتل والتجويع.
وتُشدد ألبانيز على أن السبيل لتحقيق ذلك هو فرض العقوبات على إسرائيل، ووقف إرسال الأسلحة إليها، ومنع بيع التكنولوجيا لها، بما في ذلك أنظمة التجسس. وترى ألبانيز أن المسار القانوني الوحيد المتاح لإسرائيل هو الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة (قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية)، وأن أي دولة لا تعمل لتحقيق هذا الهدف، ليست جزءًا من الحل، بل جزءًا من المشكلة.
منذ تولّيها منصبها، لم تتوانَ ألبانيز في انتقاد السياسات الإسرائيلية بقوة، ووصفت أفعال إسرائيل في غزة بأنها "إبادة جماعية واضحة". وقد أدّت هذه التصريحات إلى تعرّضها لهجوم شرس من إسرائيل والولايات المتحدة، التي طالبت بإقالتها من منصبها، متهمة إياها بـ"معاداة السامية الصارخة" و"دعم الإرهاب". ومع ذلك، لم تزدها هذه الهجمات إلا إصرارًا على المضي في قول الحقيقة، فقد أكّدت ألبانيز أن هذه الانتقادات لا تستهدفها شخصيًا، بل هي تحذير لكل من يجرؤ على الدفاع عن العدالة الدولية والحرية. كما حذّرت من أن الإجراءات الأمريكية ضدها قد تهدف إلى ثني المؤسسات متعددة الأطراف عن انتقاد السياسات الإسرائيلية، ودعت محكمة العدل الدولية لتقييم ما إذا كانت الولايات المتحدة قد انتهكت امتيازاتها وحصاناتها.
إن دعوات ألبانيز لتحويل الأقوال إلى أفعال ضد إسرائيل تضع ضغطًا كبيرًا ومتزايدًا على الدول التي تدين لفظيًا الممارسات الإسرائيلية دون اتخاذ خطوات عملية، فهي تطلب من هذه الدول مراجعة مواقفها، وتطالبها بالانتقال من الشجب اللفظي إلى فرض عقوبات حقيقية.
تُثير تصريحات ألبانيز أيضًا تساؤلات حول فعالية القانون الدولي والمؤسسات الأممية في ظل استمرار الانتهاكات؛ فعلى الرغم من التقارير الدولية التي تشير إلى تصاعد الانتهاكات ضد الفلسطينيين، بما في ذلك عمليات القتل والاعتقالات التعسفية وتوسيع المستوطنات، إلا أن الدول الكبرى غالبًا ما تتخاذل عن اتخاذ إجراءات رادعة.
ختامًا… تُمثّل تصريحات فرانشيسكا ألبانيز نقطة تحوّل في النقاش الدولي حول القضية الفلسطينية، حيث تدفع باتجاه مساءلة فعلية لإسرائيل. إن دعواتها الصريحة لتحويل الأقوال إلى أفعال، عبر فرض عقوبات ووقف الدعم، تضع المجتمع الدولي أمام تحدٍّ أخلاقي وقانوني كبير، وسيبقى السؤال المطروح: ما مدى استعداد الدول لتحويل إداناتها اللفظية إلى خطوات عملية تضمن العدالة للشعب الفلسطيني وتصون مبادئ القانون الدولي؟