امتحان الكيمياء.. قياس أداء أم تعجيز للطالب؟

 

 

 

ناصر بن سلطان العموري

nasser.alamoori@gmail.com

 

أثار امتحان مادة الكيمياء للصف العاشر، الذي جاء في أربع عشرة صفحة، موجة واسعة من الاستياء والتساؤلات بين الطلبة وأولياء الأمور حول مدى التزام الجهات التعليمية بأسس العدالة التربوية ومراعاة الخصائص العمرية للطلبة.

هل هذا حقًا تقييم لمستوى الطلاب؟ أم أنه أسلوب تعجيزي يرهق عقولهم ويزيد من الضغط النفسي دون أن يعكس بالضرورة فهمهم الحقيقي للمنهج الدراسي الأرقام تشير إلى أن الوقت المخصص عادةً لا يتناسب مع حجم الأسئلة وعدد الصفحات مما يجعل الكثير من الطلاب مضطرين للتخمين أو التسرع على حساب الدقة والفهم مهما كانت نوعية الأسئلة.

ففي ظل التحديات التعليمية المستمرة يواجه طلاب المدارس موجه من الامتحانات التي تبدو أحيانًا أقرب إلى اختبار القدرة على التحمل النفسي منه إلى قياس المعرفة الحقيقية حيث يجد الطالب نفسه أمام مهمة شاقة تتطلب مزيجًا من التركيز المطلق وسرعة إنجاز الأسئلة.

وفي وقت تُجمع فيه الدراسات التربوية على أن التقييم العادل يقيس الفهم والمهارات التحليلية لا سرعة الإنجاز أو قدرة التحمل يجد طلبة الصف العاشر أنفسهم أمام امتحان طويل ومكثف وسباق مع الوقت يتطلب حل معادلات معقدة، وقراءة دقيقة للأسئلة، واتخاذ قرارات علمية تحت ضغط زمني شديد.

إنَّ امتحانًا بهذا الحجم لا يشكل تحديًا علميًا فقط؛ بل ضغطًا نفسيًا حقيقيًا، قد يؤدي إلى تشويش الطلبة وإضعاف قدرتهم على التفكير السليم حتى لدى المتفوقين منهم وهنا يبرز السؤال الجوهري هل الغاية من الامتحان قياس مستوى التحصيل العلمي أم إرهاق الطلبة ودفعهم إلى أخطاء لا تعكس مستواهم الحقيقي؟

ويرى مختصون في الشأن التربوي أن عدم التناسب بين عدد صفحات الامتحان والزمن المخصص له يُعد خللًا واضحًا في عملية التقييم ويؤكدون أن منح الطلبة وقتًا كافيًا ليس ترفًا؛ بل شرط أساسي لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص.

وامتحانات المواد العلمية بصفة عامة وخصوصًا الكيمياء، يجب أن تُبنى على مبدأ التدرج والتوازن بين عدد الأسئلة والزمن المخصص وأن الامتحان الطويل إذا لم يُقابل بزمن كافٍ، يتحول من أداة قياس إلى اختبار للتحمّل النفسي وسرعة الكتابة، وهو ما يُعد انحرافًا عن الهدف الحقيقي للتقييم؛ بل وحتى الطالب المتميز علميًا قد يخسر درجات ليس لضعف في الفهم، وإنما بسبب ضيق الوقت وكثرة الأسئلة، وهو أمر يتنافى مع مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.

والسؤال الذي يطرح نفسه أين الرقابة على إعداد الامتحانات؟ من قبل مركز القياس والتقويم التربوي بوزارة التربية والتعليم حيث جاء امتحان الكيمياء ليثير تساؤلات أوسع حول آليات مراجعة واعتماد نماذج الاختبارات قبل تقديمها للطلبة فهل يتم اختبار الامتحان زمنيًا قبل اعتماده؟ وهل تُراعى الفروق الفردية بين الطلبة؟ ومن يتحمل مسؤولية الضغط النفسي الذي يواجه الطلبة نتيجة هذا النوع من التقييم؟

العديد من أولياء الأمور يعبّرون مرارًا وتكرارًا عن قلقهم من أن تتحول الامتحانات إلى مصدر توتر دائم لأبنائهم، خصوصًا في مرحلة دراسية تُعد مفصلية للطالب، مؤكدين أن تكرار مثل هذه النماذج قد يؤثر سلبًا على الدافعية للتعلم، لا على مستوى التحصيل فقط وأن الهدف من الامتحانات هو قياس مستوى الفهم والتحصيل العلمي لا إرهاق الطلبة أو تعرضهم للتوتر الزائد.

إنَّ الطلبة في هذه المرحلة الدراسية الحساسة والتي تعد مفترق الطرق بحاجة إلى بيئة تقييم منصفة، تعزز الثقة بالعملية التعليمية بدل أن تحوّل الامتحانات إلى مصدر قلق وضغط، وعليه.. فإن إعادة النظر في آلية إعداد الامتحانات وضبط حجمها ومستواها وزمنها، باتت ضرورة تعليمية وتربوية حتمية لا تحتمل التأجيل.

الأكثر قراءة

z