المسؤولية في الخطاب الإعلامي وصناعة الوعي المجتمعي


 خالد بن سالم الغساني

اتساع الفضاء الرقمي وتعدد منصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أتاحا فرصاً واسعة لتبادل المعلومات ومناقشة الشأن العام، وأسهما في تقريب المواطن من القضايا الوطنية والإقليمية.

غير أن هذا الاتساع نفسه فتح المجال، في المقابل، أمام التهويل والتنقيص والتشويه، سواءً عن قصد أو بحسن نية، ما جعل بعض القضايا عرضة للتأويل غير الدقيق، وأوجد حالة من الارتباك في الوعي العام. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى التعاطي الجاد والمسؤول مع ما يُطرح في هذا الفضاء، وعدم ترك النقاشات المجتمعية رهينة للعناوين المثيرة أو التحليلات السطحية التي تفتقر إلى السياق والمعلومة الموثوقة.

وقد شهدت الأيام الماضية، ولا تزال، نقاشاً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن قضيتين مهمتين تمسان الشأن الوطني والإقليمي. الأولى تتعلق بالاتفاقية الاقتصادية الشاملة مع جمهورية الهند، حيث تنوّعت الطروحات بين من بالغ في تصوير آثارها سلباً أو إيجاباً، ومن تعامل معها بمنطق الانطباع السريع لا التحليل الموضوعي. ومثل هذه الاتفاقيات بطبيعتها تحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية طويلة المدى، ولا يمكن اختزالها في شعارات أو مخاوف عامة، بل تتطلب شرحاً هادئاً ورصيناً يضعها في سياقها الصحيح، ويُبرز ما تحققه من فرص للتكامل الاقتصادي، وتعزيز الشراكات الدولية، وجذب الاستثمارات، بما يخدم المصالح الوطنية على المدى البعيد.

أما القضية الثانية، فهي ما يجري في اليمن من تطورات متسارعة، وما ارتبط بها من حديث عن الأوضاع على الحدود العُمانية. وقد طغى على هذا النقاش تداول معلومات غير مؤكدة، وتحليلات متسرعة، ومقاطع مجتزأة، ساهمت في تضخيم المخاوف أو تشويه الصورة الكلية للمشهد. وفي قضايا تتصل بالأمن الوطني والسياسة الخارجية، يصبح الخلل في المعلومة أكثر خطورة؛ إذ لا يقتصر أثره على الرأي العام فحسب، بل قد ينعكس سلباً على الثقة العامة ويُضعف إدراك المجتمع لحجم الجهود الدبلوماسية والأمنية التي تبذلها الدولة بحكمة واتزان.

في هذا السياق، تأتي توجيهات صاحب الجلالة السُّلطان المعظّم – حفظه الله – لتؤكد أهمية التفاعل الواعي مع قضايا المجتمع والتحديات القائمة، وضرورة إيصال الرسائل الصحيحة والمناسبة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بما يضمن توضيح الحقائق، وشرح الجهود المبذولة، وإبراز ما تحقق من منجزات ومكتسبات على المستوى الوطني. فهذه التوجيهات تعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة المرحلة، وتضع الوعي المجتمعي في صميم عملية البناء الوطني، باعتباره خط الدفاع الأول أمام الإشاعة والتضليل.

ولا تعني هذه التوجيهات الحد من النقاش العام أو تقييد حرية التعبير، بل تؤكد أن النقاش المسؤول هو الذي يقوم على المعلومة الدقيقة، والتحليل الرصين، واللغة المتزنة؛ فحرية الرأي تزداد قيمة حين تقترن بالمسؤولية، والاختلاف في وجهات النظر يصبح مصدر إثراء عندما يستند إلى فهمٍ صحيح للوقائع، لا إلى ردود فعل آنية أو انفعالية. كما يبرز هنا دور المؤسسات الإعلامية والجهات المختصة في المبادرة إلى الشرح والتوضيح، والتواصل المستمر مع المجتمع، وسد الفجوة المعلوماتية قبل أن تُملأ بمحتوى مضلل أو مشوّه.

وفي المقابل، يتحمل الفرد مسؤوليته في التحقق والتريث، وعدم الانسياق خلف كل ما يُتداول أو إعادة نشر محتوى يفتقر إلى المصداقية. فكل مستخدم لوسائل التواصل هو شريك في صناعة الوعي أو تشويهه، بقدر ما يملك من وعي ومسؤولية في ما يقرأ وينشر. ومن هنا، فإن بناء وعي مجتمعي راسخ هو جهد تشاركي تتكامل فيه أدوار الدولة والإعلام والمجتمع، على أساس الثقة والشفافية والإدراك المشترك لحساسية القضايا المطروحة.

ختامًا.. إن البدء من الواقع النقاشي المتداول، والعودة إلى توجيهات القيادة الحكيمة، يوضح أن التعاطي الجاد والمسؤول مع الخطاب الإعلامي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية. فحين تتوافر المعلومة الصحيحة، ويُدار النقاش بوعي واتزان، تصبح القضايا العامة مجالاً للفهم والبناء، لا ساحة للتهويل أو التنقيص أو التشويه، ويغدو المجتمع أكثر قدرة على حماية وعيه، وأكثر ثقة بمساره الوطني وخياراته المستقبلية.

الأكثر قراءة

z