سعيد بن حميد الهطالي
لا أكتب كي أدهش أحداً، ولا أضع حروفي على موائد المجاملات، أكتب كما تمضي الريح دون خريطة، أو هتاف، أو انتظار، أكتب لأني ممتلئ، ولأن الصمت ثقيل، ولأن الحروف تطرق أبواباً في داخلي لا تفتح إلا حين أنثرها على الورق.
أحيانًا، أبدو كمن يلقي زجاجة في البحر داخلها رسالة لا يعرف إن كانت ستصل، أو من سيقرأها، أو إن كانت الأمواج ستبتلعها في صمت!، لكنني مع ذلك ألقي الرسالة، وأتابع السير، أنا لا أرسل كتاباتي لأطلب العطف أو العناية لأنني أومن أنَّ الكلمة الصادقة كالماء تجد طريقها دائماً وإن لم تُصفق لها الأيادي فربما صفّقت لها القلوب في صمت، كثيرون يظنون أنَّ الكتابة لمن يقرأ، وأنا أظن أن الكتابة لمن يشعر!
القارئ الحقيقي لا يمر بالحروف كما يمر المشتري في السوق، لا بأس إن لم يرد أحد، ولا بأس إن عبرت كلماتي فوق رؤوس لا تلتفت فأنا لا أكتب لأنهم يسمعون، أنا أكتب لأن في داخلي نداء يشبه صوت الغيم حين يمتلئ ويمطر دون أن يسأل الأرض: هل ترغبين؟
تعلّمت أن جفاء الرد لا يقصيني، وأن التجاهل لا يجرح الكاتب النقي، فهو لا ينتظر العناق من كل باب، يكفيه أنه ظل وفياً للحرف، صادقًا مع نفسه، أميناً في رسالته، ولأجل هذا
أعبر الأماكن ولا أحتاج أن يناديني أحد بغير اسمي، فكل ما أريده أن تظل كلمتي تحملني حتى حين أتعب، أنا كاتب لا يحب الضجيج، أؤمن أنَّ كل كلمة صادقة ستجد طريقها ولو بعد حين، وأن هناك قلوباً ستلتقطها ولو من وراء ألف صمت، فلا بأس إن لم يقولوا "شكرًا" فأنا أكتب لأن الكتابة في روحي، لأني سوف أمضي كما تمضي الريح!
يقول الشاعر محمود درويش:
" أثر الفراشة لا يرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبية غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحل
حين يتضح السبيل"