◄ الزراعة المُحرك الأساسي لنمو القطاعات الاقتصادية
◄ مطالب مُجتمعية بتسهيل الحصول على أراضٍ زراعية ودعم مشاريع الأمن الغذائي
◄ الصقري: المُزارع يُعاني من ضعف الدعم الحكومي المتكامل وعدم استدامة الموارد
◄ مياه السدود لا تكفي لدعم الزراعة.. والجفاف ألحق أضرارًا كبيرة بالمَزارِع
◄ 99 % من مياه الفيضانات والسيول تنجرف إلى البحر.. ولا بُد من الاستفادة منها
◄ دعوات لجذب الباحثين عن عمل للانخراط في القطاع الزراعي مع توفير الدعم المناسب
◄ الشيدي: غياب الخطط التسويقية والبيع المُتدرِّج وراء اختلالات السوق
◄ سيطرة الموردين الأجانب على سلاسل التوريد السبب الأول في "تفضيل المستورد"
◄ صغار المُزارعين يئنون تحت وطأة الديون والالتزامات المالية الكبيرة
◄ لا بُد من فرض نسب شراء إلزامية للمحاصيل على المتاجر الكبرى
◄ ضرورة إنشاء مخازن تبريد مركزية تُساعد على توزيع المحاصيل
◄ العويمري: لا بُد من منع الاستيراد في مواسم الحصاد وضرورة دعم المحصول العُماني
◄ مقترح بإعداد تقويم زراعي دقيق مع تسجيل توقعات الإنتاج لكل مزرعة
◄ الساعدي: زراعة الأرض شغف والتزام أمام الوطن وليست فقط مصدر عيشٍ
◄ المُزارِع العُماني يرزح تحت عبء التكاليف وشح المياه
الرؤية- سارة العبرية
يُطالب عددٌ من العاملين في القطاع الزراعي، بضرورة معالجة "الاختلالات البنيوية" التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي، وعلى رأسها غياب التنسيق بين الإنتاج والتسويق، وضعف مرحلة ما بعد الحصاد.
وتحدَّث مزراعون ومهتمون بالزراعة إلى جريدة "الرؤية" من أجل عرض التحديات التي تعوق عملهم، وأشاروا إلى مشكلات هيكلية في بنية القطاع عمومًا، من بينها ضعف الدعم الحكومي المُتكامل، والمنافسة غير المتوازنة مع المحاصيل المستوردة، فضلًا عن شُح مصادر المياه، وغيرها من التحديات التي تُهدد مستقبل القطاع الزراعي في عُمان.
ويقول أحمد بن عبدالله الصقري من ولاية الجبل الأخضر إن معظم التحديات التي تواجه المزارعين تتعلق بالجانب التسويقي، موضحًا أن وجود دعم حكومي حقيقي في شراء المنتجات الزراعية وتسويقها وتهيئة البيئة المناسبة للمزارعين، سيكون له أثر كبير في تشجيعهم على الزراعة. وأضاف: "إذا لم يكن هناك دعم وتسهيل من الحكومة لبعض المنتجات، فلن تكون هناك إنتاجية مُجدية؛ فالقضية تدور حول قوة الإنتاج وقوة التسويق والمبيعات". وأشار إلى مثال على ذلك بقوله: "في موسم البصل، إذا كانت عُمان تُنتج 100 طن أو حتى 100 ألف طن، كيف سيكون التسويق فعّالًا، بينما الحكومة تسمح باستيراد البصل في نفس الوقت من اليمن وإيران، وكيف سيتم تسويق المنتج المحلي؟ وكيف سيكون وضع الإنتاجية مقارنة بالمستورد؟ وهنا تظهر أهمية التنسيق ومراعاة الموسم الزراعي بشكل كبير".
وأكّد الصقري أن "الدعم الحكومي موجود لكنه ليس كافيًا، معتبرًا أن الزراعة هي الأساس، فإذا وُجدت الزراعة، وُجدت الصناعة، وبالتالي التجارة. لكن إذا غابت الزراعة فلن تكون هناك صناعة تحويلية أو قيمة مضافة".
وبيّن أن "هناك نقصًا كبيرًا في القطاع الزراعي، والمزارعون بحاجة ماسة إلى تطوير هذا القطاع، ورفع مستوى الدعم؛ سواء من حيث تسهيل الحصول على الأراضي أو دعم مشاريع الأمن الغذائي".
وتساءل الصقري: "كم تبلغ تعرفة الكهرباء اليوم بالنسبة للمشاريع الزراعية؟ هل تم خفضها؟ وهل هناك دعم فعلي؟"، موضحًا أن مشاريع الزراعة المائية مرتبطة بالكهرباء، والماء فيها يعتمد على التدوير، وبالتالي تصبح كُلفة الكهرباء محورية، ما يؤكد الحاجة إلى دعم أكبر في هذا الجانب. ولفت إلى أن "من أهداف دعم الزراعة أيضًا تقليل الاستيراد؛ حيث إن الوضع الحالي يشهد نسبة استيراد عالية، والأسعار الخارجية مُنخفضة. لكن البعض يتحدث عن غلاء المنتجات المحلية، وهذا يعود إلى أن تكلفة الإنتاج في السلطنة مرتفعة جدًا".
المياه شحيحة!
وتابع الصقري أنه "في الجبل الأخضر، على سبيل المثال، لم تهطل أمطار تُذكر منذ العام الماضي؛ إذ إن المياه شحيحة، ومياه السدود لا تكفي لدعم الزراعة، ولهذا لا يُستغرب أن يصل سعر كيلو المشمش إلى 4 أو 5 ريالات، نظرًا لأنَّ تكلفة الإنتاج عالية".
وأوضح أن "الزراعة تحتاج إلى عناصر أساسية، وأهمها الماء والكهرباء. فإذا وُجد الماء، وُجدت الزراعة والحياة. لذا، يجب إعطاء أولوية قصوى لموارد المياه، والسدود على وجه الخصوص، لأنها أساس الزراعة". وضرب مثالًا على ذلك بقوله: "في منطقة الباطنة، 80% من الأراضي غير صالحة للزراعة بسبب المياه، رغم إيجاد حلول مثل تحلية المياه، لكنها مكلفة جدًا".
وأشاد الصقري بمشروع التحلية الحكومي، وقال: "هو مشروع رائد سواء في الجبل الأخضر أو على مستوى السلطنة؛ فهو يساهم في الحفاظ على المياه الجوفية. لكن، خلال الفيضانات أو السيول، تذهب 99% من المياه إلى البحر!". متسائلًا: "كيف يمكننا الاستفادة من هذه المياه في تغذية المياه الجوفية؟".
واختتم الصقري حديثه بالتأكيد على "أهمية إشراك الشباب في هذا القطاع من خلال إقامة ورش وفعاليات للتوعية والتثقيف الزراعي"، مشيرًا إلى أن "الاستدامة الزراعية تبدأ من دعم البنية التحتية، وتستمر مع بناء جيل زراعي واعٍ ومتمكن".
تحديات هيكلية
من جانبه، قال رجل الأعمال أحمد بن سيف الشيدي إن القطاع الزراعي في سلطنة عُمان يواجه تحديات هيكلية كبيرة، في مُقدمتها غياب التنسيق بين الإنتاج والتسويق؛ مما يؤدي إلى تكدّس المحاصيل الموسمية وخسائر مُتكرِّرة للمزارعين.
وأوضح الشيدي أن "المُزارِع يزرع بكثافة خلال موسم معين من دون وجود خطة تسويقية تضمن بيع المحصول تدريجيًا وتوزيعه على مراحل، وهو ما يسبب اختلالًا في السوق"، لافتًا إلى أن غياب مثل هذه الخطط هو أحد الأسباب المباشرة لتذبذب الأسعار وكساد المحاصيل.
وأشار الشيدي إلى أن ضعف البنية التسويقية يمثل عائقًا رئيسيًا أمام تطوُّر القطاع، موضحًا أن "قلة أسواق الجُملة المُتخصِّصة، وغياب شركات محلية قوية تُعنى بتجميع وتسويق المحاصيل، يُضعِف من قدرة المزارعين على الوصول للسوق بشكل فعّال". ونبَّه الشيدي إلى وجود مشكلة متكررة تتمثل في "تفضيل السوق للمنتج المستورد"، مرجعًا ذلك إلى انتظام سلاسل التوريد والعقود الطويلة التي تربط الموردين الأجانب بالأسواق المركزية.
وشدّد الشيدي على أن الدعم الحكومي "يُركِّز على جانب الإنتاج بشكل أكبر من التسويق"، معتبرًا أن هذا التوجه غير متوازن ويقود إلى أزمات مالية لدى صغار المزارعين. وأضاف: "تمويل المشاريع الزراعية دون وجود منظومة تسويقية متكاملة، يورط المزارع في التزامات مالية كبيرة لا يمكنه الوفاء بها لاحقًا"، مشيرًا إلى أن أحد المزارعين يمتلك 3 آلاف شجرة تين، لكنه عجز عن تسويق إنتاجها؛ فلجأ إلى بيعها "تين مُجفف" في محاولة لتقليل حجم الخسائر.
وأكد الشيدي أن غياب مرافق التخزين والتبريد المناسبة يزيد من تعقيد المشهد كذلك، خصوصًا في المنتجات الحساسة للحرارة مثل البصل، الذي يمكن حفظه لفترات طويلة إذا توفرت له البنية التحتية الملائمة". وقال إن غياب أدوات الرقابة على التسعير يترك الأسعار خاضعة بالكامل لقوى العرض والطلب؛ ما يؤدي إلى خسائر بين المزارعين وزيادة تكلفة على المستهلكين.
شركة التسويق
وفيما يتعلق بالحلول، شدّد الشيدي على ضرورة تفعيل دور الشركة المتخصصة في تسويق المحاصيل المحلية، بحيث تتولى شراء جميع المحاصيل من المزارعين بأسعار عادلة، ومن ثم تسويقها محليًا وإقليميًا ودوليًا.
ودعا الشيدي إلى فتح قنوات بيع مباشرة مع المزارعين، وإنشاء معارض زراعية صغيرة داخل كل مزرعة، على غرار ما هو معمول به في مزارع الألبان، مشيرًا إلى أنَّ هذه الثقافة غير موجودة حاليًا، لكنها مهمة لتعزيز ثقة المستهلك في المنتج المحلي.
وطالب الشيدي بدعم الجمعيات التعاونية الزراعية، وفرض نسبة إلزامية لشراء المنتج المحلي على المتاجر الكبرى، إلى جانب توفير مخازن تبريد مركزية تساعد في توزيع المحاصيل على مراحل.
وشدد الشيدي على ضرورة تنظيم الإنتاج الزراعي عبر تقويم زراعي دقيق، وتسجيل توقعات الإنتاج لكل مزرعة، إضافة إلى توفير استشاريين زراعيين مجانًا لتقديم التوجيه اللازم، قائلًا: "نحتاج إلى سياسة فعلية لدعم المنتج المحلي، لا شعارات؛ فالمزارع العُماني يستحق نظامًا اقتصاديًا منصفًا يحوّل جهده إلى قيمة وطنية حقيقية، ويضمن الاستدامة. وينبغي تشكيل فرق طوارئ وطنية للتعامل مع فائض الإنتاج في المواسم، وتصدير المنتجات بدلًا من أن تتلف وتُهدر".
الدعم الزراعي
من جهته، قال محمد بن سيف العويمري من ولاية الجبل الأخضر "إنه لا يرى سببًا مقنعًا لارتفاع أسعار بعض المنتجات الزراعية، مؤكدًا أن "القاعدة الاقتصادية تنص على أنه كلما زاد العرض قل الطلب، وبالتالي تنخفض الأسعار". وأشار إلى أن "الدعم الزراعي بحاجة إلى زيادة من قبل الحكومة، خاصة فيما يتعلق بتوفير بذور ذات أصناف جيدة وتوزيعها على المزارعين".
واقترح العويمري منع الاستيراد من الخارج خلال فترة حصاد الإنتاج المحلي؛ لضمان تسويق المنتج العُماني وتحقيق عائد مجزٍ للمزارعين.
وأضاف: "المفترض أن تقلل مثلًا الشركات المستوردة للبصل من استيرادها خلال موسم حصاد البصل المحلي، وأن تتجه بدلًا من ذلك إلى شراء المنتج العُماني من المزارعين، مع مراعاة الأسعار بما يتناسب مع قدرة المستهلك".
ودعا إلى أن "يتم التعاقد بين شركات محددة والمزارعين لشراء كامل إنتاجهم سنويًا بسعر عادل"، مؤكدًا أن "هذه الخطوة من شأنها أن تشجع المزارعين على الاستمرار والتوسع في الزراعة، لأنهم سيضمنون سوقًا لتسويق منتجاتهم".
فيما يرى المُزارِع علي بن سالم الساعدي من ولاية ضنك إن المزارع العُماني يواجه جملة من التحديات التي تتفاوت من موسم لآخر، لكن هناك صعوبات ثابتة ترافقه باستمرار. وذكر الساعدي أن من أبرز هذه التحديات: ارتفاع تكاليف الإنتاج، من أسعار البذور والأسمدة، والمبيدات، وصولًا إلى أجور العمالة، وهو ما يشكّل عِبئًا كبيرًا، خاصةً عندما لا يقابل ذلك سعر بيع مجزٍ في السوق، كما نواجه شحًا في المياه، فمع التغيرات المناخية وانخفاض منسوب الأفلاج والآبار. وأضاف: "أصبحت مسألة توفير المياه للري من أهم وأصعب التحديات، لا سيما في فصل الصيف، ويُعد تسويق المنتجات الزراعية من أبرز العقبات؛ فرغم جودة المحاصيل المحلية، إلّا أن المنافسة مع المنتجات المُستورَدة وقلة قنوات التسويق المباشر تجعل من تسويق المنتج المحلي تحديًا حقيقيًا، كذلك نواجه الآفات الزراعية والتقلبات المناخية، فكل موسم يحمل ظروفًا مختلفة؛ ففي بعض المواسم نواجه موجات حر شديدة أو أمطارًا مفاجئة، وفي أخرى تزداد الآفات والأمراض الزراعية، ما يتطلب استعدادًا دائمًا وتكاليف إضافية". وأكدّ الساعدي "رغم كل هذه التحديات، تبقى الزراعة جزءًا من هويتنا وتاريخنا، وهي بالنسبة لي ليست مجرد مصدر دخل؛ بل شغف والتزام تجاه الأرض والناس".