وجع.. وجع!

نور الشحرية

وجعٌ فوق الوصف، ألمٌ لا تطيقه الكلمات ولا تحتمله الأرواح، حين نتابع أخبار فلسطين، حين نرى وجوه الأطفال وهي تتلوى تحت الألم النفسي والجسدي، نشعر أن حياتنا تفقد كل معنى، وتفقد ابتساماتنا كل نور.

صرخاتهم في آذاننا، وجعهم يسكن أيادينا العاجزة، مشاهد آلامهم كالسكاكين في عيوننا، إن فتحناها أهلكتنا الصور، وإن أغلقناها حاصرتنا الذاكرة.

وجعهم قض مضاجعنا، أثقل أيامنا وكدَّر ليالينا، هم هناك يخشون القنابل والصواريخ، ونحن هنا نخشى عليهم من صمت عربي يسمع خزيه العالم.

أي بشر هؤلاء القادة الصهاينة؟ أي روح تسكن جسد دونالد ترامب وأمثاله؟ أهم بشر أم مخلوقات من عوالم أخرى لا تعرف للرحمة سبيلًا؟

ألا يخشون على أبنائهم كما نخشى نحن على أطفال فلسطين؟ ألا يرتجف قلبهم حين يرون طفلاً ينتشل من تحت الركام؟

وجع... وجع... وجع...

وجعٌ أفنى أعمارنا بالهلع، وجعٌ أثقل السمع والبصر، وجعٌ يسكن في القلب حتى ظننا أن لا خلاص منه.

رغم الألم العميق، رغم الجراح المفتوحة، رغم قسوة المشهد، نؤمن أن الله يرى... وأن الله يسمع... وأنَّ الله لا يترك دعوة صادق، ولا دمعة مكلوم، ولا قلب مكسور.

فلسطين، يا عزيزة الأرض والسماء، لست وحدكِ… هناك قلوب في مشارق الأرض ومغاربها تلهج بالدعاء لك، ودموع تسبق الكلمات، وأكف ترتفع للسماء كل ليلة تنادي باسمك.

ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.

كل دمعة، كل أنين، كل شهيد، يسير أمامنا نحو وعد الله بالنصر القريب.

وجعٌ… وجعٌ… وجعٌ ينفجر من بين أضلعنا، يجري أنهارًا من الدموع في عروقنا.

وجعٌ ينوح في الريح، يحمل وجوه الأطفال وهم يغفون بين الدمار، يحمل عيونًا لم تذق النوم إلا خوفًا.

وجعٌ… فوق صدور الأمهات الثكلى، فوق شوارع المدن المدمرة، فوق حجارة القدس وغزة والخليل.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... ينزف فوق صمت العالم، يتناثر على موائد المتفرجين، يصرخ في ليل الصامتين.

لكن رغم كل هذا الوجع، هناك في قلوبنا جذوة أمل لا تنطفئ، نور لا يخبو مهما طال الليل.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... نحمله على أكتافنا كما تحمل الجبال أثقالها، نصعد به دروب الصبر، ونكتب به أسطر النصر القادم.

يا فلسطين، يا زهرة الأرض، مهما اشتد الحصار، ومهما ثقلت علينا الجراح، سنبقى…

وسيبقى اسمك محفورًا في صدورنا وسيرتفع صوتك فوق المآذن، وسنحمل حجارتك ونزرعها في قلب الزمن، أشجار حرية لا تنكسر.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... لكنه وجع يصنع البطولة، ويصقل الأرواح، ويُبشر بوعد الله الذي لا يخيب.

حين نرفع أيدينا إلى السماء، حين تترقرق دموعنا فوق أطراف السجادة، نشعر أن أرواحنا تطير نحوكم، نحملكم بين أضلعنا دعاءً وأملًا.

نحن لا نحمل سلاحًا، لكننا نحمل قلوبًا تهتز لكم خوفًا ورجاء، ونحمل أرواحًا لا تعرف النوم إلا بالدعاء لأجلكم.

ندعو الله أن يجعل دعواتنا غيماتٍ فوق بيوتكم، أن تمطر رحمةً، وأن تُطفئ نار القصف، وأن تفرش تحت أقدام أطفالكم طرقات الأمان.

دعواتنا - وإن خفيت أصواتها عن الدنيا- تحفكم كما تحف الملائكة الطاهرين، تسند ظهوركم في المعارك، وتهدهد أرواحكم في لحظات الهلع.

حين تسقط القذائف فوق رؤوسكم، نرتجف هنا خوفًا، وحين تصرخون من تحت الركام، ننادي الله بأعلى أصوات قلوبنا أن يحميكم.

أنتم لستم وحدكم. في كل نبضة من قلوبنا دعوة، وفي كل دمعة من أعيننا رجاء، وفي كل نفس من أنفاسنا أمل أن يرفع الله عنكم ما نزل.

ثقوا أن الحب الصادق لا تحده الجغرافيا، وأن الدعوات الصادقة أقوى من أسلحة الأرض كلها، وأن قلوبنا تحف بكم كل ليلة حتى يأتي وعد الله بالنصر، ويحيا الوطن حرًا عزيزًا شامخًا كما كان ويكون.

نكتب هذه الكلمات بمداد قلوبنا التي أثقلها الحزن، ونشهد أنَّ أرواحنا بلغت من الوجع ما يخشى عليه الهلاك، شديد الألم… عظيم التحمل… لكنها رغم كل شيء، تحمل يقينًا صادقًا أن الله لا ينسى، وأن الحق لا يموت، وأن فجر النصر أقرب مما نتصور.

آه لو كان للحزن ميزان… لعلم العالم كم تثقل أرواحنا دموع فلسطين.

بكلماتنا الباكية… بأرواحنا المتعبة… نقسم ألا ننسى، وألا نصمت، وألا نكف عن الدعاء، حتى يكتب الله لنا أن نرى فلسطين حرة، وأطفالها آمنين، وأمهاتها ضاحكات بدموع الفرح، والأرض تُعانق سماءها بشوق العائدين.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة