فقيد الكويت

 

 

سالم بن ناصر بن سعيد المسكري

 

غيَّب الموت يوم 14 أبريل 2025، رجل الكرامات والإنجازات اللواء مُتقاعد عيسى بن شعيب العلي، واستعدت الأرض لاستقبال الكريم الذي شهدت له مرابع الكويت الشقيقة بأفضاله وأعماله واستتب الأمن والأمان فيها بفضل المئات والآلاف من رجال الشرطة والنجدة الذين تدربوا على يد المرحوم غفر الله له وأسكنه فسيح الجنان وألهم أهله وجميع ذويه الصبر والسلوان.

واحتشد الجمع والجميع لوداع هذه الشخصية البارزة التي عملت وكدَّت وقدمت الكثير والكثير. وودعت الكويت الشقيقة رجلًا من رجالاتها الكبار الذين كانت لهم بصمة؛ بل بصمات لا تعد ولا تحصى في المجال الشرطي والأمني والكشفي في الكويت بدايةً وفي الخليج العربي عمومًًا.

كانت الكويت من أوائل دول الخليج العربي في إنشاء الكليات الشرطية والتي تخرج فيها أفواجٌ تلو أفواجٍ من رموز وهامات العمل الشرطي الخليجي، وكان المرحوم اللواء متقاعد عيسى بن شعيب العلي من مؤسسي هذه الكلية الرائدة فكان قائدًا ورائدًا ومُعلمًا لأوائل العاملين في هذا المجال الحيوي والذي كان له عظيم الأثر في حفظ السلام والأمن الكويتي والخليجي.

ونظرًا لارتباط العمل الشرطي بالتطوع الشبابي في المجال الكشفي فقد كان المرحوم أيضًا من أوائل المُساهمين في تكوين وإرساء الحركة الكشفية في دولة الكويت وبيان دورها في المنتديات والمخيمات الكشفية العالمية.


صور داخل المقال (1).jpg
 

ولأنَّ الكويت جزءٌ لا يتجزأ من العالم ولأن أمن الجزء مرتبطٌ بأمن الكل فقد كان التعاون الدولي والانضمام إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" بعد استقلال الكويت في عام 1961، وقد عمل المرحوم اللواء عيسى بن شعيب العلي في مقر المنظمة بكيفان في الكويت بعد تخرجه في كلية الشرطة بلندن.

ولكن المرحوم لم يكن معروفًا في المجال الشرطي والأمني فحسب؛ بل كان رمزًا ثقافيًا واجتماعيًا بارزًا له ما له من باعٍ في المجتمع الكويتي المثقف المستنير.

عرفته منذ سنين طوال وكان لنا لقاءٌ سنوي في شهور الصيف الطوال في بورنموث، بريطانيا وكان ذلك بداية لعلاقة صداقة حميمة استمرت على مدى طويل وشملت الأسرة والأهل والأبناء. استمرت العلاقة بعد ذلك كلما التقينا سواء في بريطانيا أو عُمان أو الكويت، حضروا مناسباتنا وحضرنا مناسباتهم، زرناهم وزارونا.

صور داخل المقال (2).jpg

وقد قام المرحوم بزيارة لنا في السلطنة ونال إعجابه ما رآه من تقدمٍ ونهضة عمرانية وعلمية. ولقد قمت، بالتنسيق مع سعادة اللواء محمد بن عبد الله الريامى مساعد المفتش العام لشؤون العمليات في سلطنة عُمان، بترتيب زيارة لأكاديمية شرطة عُمان السّلطانية في مدينة نزوى؛ حيث أشاد بالمستوى الأكاديمي للكلية ومرافقها المتميزة. كما التقى بمرشحي الكلية آنذاك وحثهم على العمل الجاد لخدمة الوطن والولاء له. وكانت زيارته تلك مبعثًا لإعجابه بالسلطنة وإنجازاتها العظيمة في فترة زمنية بسيطة وقد استحقت السلطنة ذلك الإعجاب.

وقد بدأت رحلة الفقد لهذا الصديق العزيز منذ عامين عندما اشتد به المرض فلم يعد يشاركني جلسات القهوة وسهرات المساء.

وقد عانى في أواخر سنواته من المرض العضال، جعل الله تلك المعاناة كفارةً له ورحمه الله وغفر له، وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله ورزقه منازل الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

وداعًا أبا عبدالله، سوف تخلو أيام الصيف من أحاديثك وذكرياتك فإلى جنان الخلد.

أسأل الله العليّ القدير أن ينعم على أولاده البررة: عبدالله وفيصل وناصر وعيسى ووالدتهم العزيزة وأختهم الغالية بجميل الصّبر والسّلوان، وأن يجمعهم به وبمعارفهِ الأكارم في فسيح الجنان.

"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ"

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة