أول هدية يوم أم!

 

 

أنيسة الهوتية

في عائلتي، لم نكن نحتفل بعيد الأم، وكان الأغلب لا يعلم بوجوده! وعندما بدأوا يتسامعون به، تعاملوا معه على أنَّه احتفالية خاصة بالمسيحيين مثل "الكريسماس"، ولم يلقَ قبولًا للتعامل به في أغلب المجتمع المجاور آنذاك. وكانت قناعة جدي، وعمي، وأبي، أنَّ عيد الأم بدعة، وأن تخصيص يوم للاحتفال بالأم ليس من تعاليم ديننا الحنيف.

وبما أني كنت طفلة صغيرة آنذاك، ومع احترامي لوجهة نظر عائلتي، إلّا أنني كُنت أُريد أخذ الإذن لتقديم هدية لأمي، ولكن تربية "السمع والطاعة" لم تسمح لي حتى بالسؤال، بينما كانت خوالجي تتمنى أن أكون البنت التي تُسعد أمها بهدية في يوم الأم، حتى أرى تلك اللمعة الجميلة في عينيها، وألمس الشيء الذي كنتُ أقرأه في قصص الأطفال على أرض الواقع، وأستشعرُ مشاعر الفتاة المُطيعة التي أسعدت أمها بهدية في هذا اليوم، تمامًا كما قرأت في مجلة ماجد ومجلات الأطفال المصورة.

ترسخ تاريخ 21 مارس في ذهني، في وقت كان أغلب العائلة يتعامل بالتاريخ الهجري، إلّا أن التقويم المُعلَّق في صالة المنزل كان مُقيدًا بالإثنين؛ أي الهجري والميلادي، وهنا بدأت أتابع التاريخ الميلادي من عمر الثامنة.

ولماذا الثامنة؟ لأني في هذا السن أهديت أمي أول هدية عيد أم، وكانت "ليسو" مطبوع عليه جملة، "الله، الوطن، السلطان"، ورسومات على شكل مزهرية مزخرفة فيها ورود ملونة متنوعة، والخام كان لونه "حليبي" كما كنَّا نصفه آنذاك، وهو "البيج".

أخذته بخمسمائة بيسة، باتفاق أن أدفع كل يوم مئتي بيسة وهما مصروفي اليومي من جدي منصور، ووافقت عمتي شريفة والتي كانت هي الزوجة الأولى لوالدي، وطليقته آنذاك.

وفعلًا، غمرتني ابتسامة أمي بالسعادة حين ارتسمت على وجهها السمح، وخاصة أن ابتسامتها كانت عملة نادرة مع برنامجها اليومي المنهك من الأعمال والمسؤوليات اليومية، ولا زلت أشعر بأنَّ تلك الابتسامة كانت المختلفة على الإطلاق من أجمل؛ بل أروع ابتساماتها.

ثم بينما انتهت تلك اللحظة الجميلة والحضن الخجول، نظرت إلى يميني فرأيت جدتي المُعلمة حليمة بنت حمد تنظر إليَّ بعيون رضا ومحبة، فاعتصر قلبي ألم بأنني لم أحضر هدية لجدتي.

وفي اليوم التالي ركضت إلى بيت عمتي شريفة، وطلبت منها "ليسو" ثاني من نفس النوع لجدتي وبنفس اتفاق الدفع إلى أن ينتهي المبلغ، فأخرجت واحدة أخرى باللون البني الفاتح وبنقوش وزخارف شبه إسلامية بلا كلمات مطبوعة، وقالت: هذه تليق بالمعلمة حليمة أكثر.

فأخذته من يدها وركضت إلى جدتي، فأهديتها إياه، وسارعت بالنظر إلى عينيها، فرأيت تلك النظرات الحنونة ممتلئة بالفرح، وهنا كدت أن أطير إلى عنان السماء.

ولمحت شخصًا يقف وراء جدتي، وإذا بها خالتي خديجة، وهي في أوائل حَملِها بأوَّل طفلة لها بعد زواج خمس سنوات! وقد أتت للإقامة الطويلة عندنا، فحضنتها وفرحت بعودتها مرة أخرى. وشعرت بذات الشعور بأنني لم أحسب لها حسبة!

وبعد قليل، ذهبت إلى عمتي للمرة الثالثة، وطلبت "ليسو" آخر يليق بخالتي "خدوج"، فأعطتني "ليسو" باللون السماوي فيه ورود محمدية كبيرة، وقالت هذه تشبه خدود "خدوج" وسأضيف قيمته إلى حسابك. فحركت رأسي بنعم، وركضت سريعًا إلى البيت ثم لغرفة خالتي وأهديتها، وبالفعل السعادة التي رأيتها في عينيها كانت تتراقص في قلبي.

ولكن، شعرت بأني لا زلت مقصرة في حق شخص ما! فتبعت إحساسي، وذهبت إلى عمتي شريفة وقبلت رأسها، وطلبت منها أن تختار لنفسها واحدة هدية يوم الأم مني لها، وتضيفه على الحساب. فابتسمت، وقالت: حسناً، سآخذ الأسود والأبيض. والآن سأحسب عليكِ كل قطعة بمئتين وخمسين بيسة.

الأكثر قراءة