التوظيف في عالم النسيان

 

‏راشد بن حميد الراشدي

 

مع بداية العام الجديد واستبشار المواطنين بحلول هذا العام وتحقق أمنياتهم السعيدة بأن يُفرج الله كربهم ويرزقهم ويكفيهم هموم الدهر بعد صبر طويل، ومع وطن تعانق الأمجاد بطولاته ويشرق فجر نهضته المتجددة في كل ربوعه وترتفع هامات أبنائه نحو خدمته وبنائه، فإن الآمال تتجدد بعد أن تحمل الشباب فترات طويلة بلا وظيفة أو معونة تعينه على متطلبات الحياة، وقد تخرج بعضهم منذ سنوات، محاولًا أن يظفر بوظيفة تُقر بها عينه وتهنأ بها نفسه، ويعول بها أهله الذين ينتظرون توظيف أبنائهم وتحسين أحوالهم في ظل غلاء معيشة لم يُعرف من قبل، وضرائب وخدمات قضت على كل مُدخر مع الأم والأب؛ فضاق حال العائلات وكثرت المعضلات.

فقد عزف الكثير من الشباب عن الزواج، كما كثرت حالات الطلاق، فتشتت حال الأسر بين ذاك وذاك، مع ما ألم ببعض الشباب من اليأس في الحصول على وظيفة يشق بها طريق حياته ومبتغى أمله.

ومع إعلان الميزانية العامة للدولة لعام 2025، تمنيت أن يكون الجزء الأكبر منها لمواجهة هذه الأزمة، وتمنيت أن تُشرك الحكومة الشركات الكبرى وأصحاب المشاريع الذين يتمتعون بحق الامتيازات في الاستفادة من ثروات الوطن التي حبا الله بها سلطنة عُمان، كالنفط والغاز والمعادن والثروات الطبيعية والسمكية وغيرها، ممن يستفيدون من مكامن الخير التي تزخر بها البلاد، وكذلك أصحاب الشركات والمؤسسات التي تحصل على العقود والمناقصات، من أجل حلحلة هذا الملف الوطني، ومن أجل توظيف الشباب والبحث عن كل فرصة وظيفية ليشغلها أبناء الوطن، بدلًا من مئات الألوف من الوافدين الذين يحولون إلى بلدانهم مليارات الريالات سنويًا.

اليوم نقول وبكل أسى ومع تزايد أعداد أبنائنا من باحثين عن عمل ومُسرَّحين من أعمالهم، إن التوظيف يبدو أنه في عالم النسيان، ولو وجد عدد من الوظائف في العام الواحد؛ فهي لا تغطي نصف عدد خريجي عام واحد.

الكيل يفيض من مختلف جوانبه والجميع يشاهد نتائجه بلا حراك من المعنيين ومؤسسات الدولة لحل ملف ذاقت من شدائده آلاف الأسر العمانية، فلا يكاد بيت يخلو من عاطلين عن عمل لا حول لهم إلا بالله، وإيجاد حلول لتغيير حالهم.

إنني أقف وأُذكر بأن أبناءنا أمانة في أعناق المسؤولين، ويجب اليوم أن تسخِّر كل الجهات طاقاتها من أجلهم، فهُم لا يريدون إعانة شهرية؛ بل يريدون وظيفة يتكسبون منها بشهاداتهم وخبراتهم وعرق جبينهم وعضد يمينهم، وما أكثر الوظائف في وطن يعمل فيه مئات الآلاف من الأجانب.

اليوم يجب تشكيل لجان وطنية تحمل ملف تعيين وتعمين وتسكين المواطنين في كل الوظائف التي تشغلها القوى العاملة الوافدة، وتسخير الطاقات والقوانين لصالح أبناء الوطن والضرب بيد من حديد على الفاسدين، الذين يتحايلون على أرزاق المواطنين، ويحاربون تعيينهم وتوظيفهم، بينما شبابنا يتخبطون شرقًا وغربًا طمعًا في وظيفة بمجرد الإعلان عنها، وفي النهاية لا يُعيَّن سوى القليل جدًا.

التوظيف في عالم النسيان باتت حقيقة مؤلمة يجب أن يعترف بها الجميع، ويسعى لإيجاد الحلول الجذرية والسريعة لها.

إنني أناشد كما ناشدت سابقًا- عبر منبر جريدة الرؤية- ضرورة تحرك الحكومة ومسؤوليها وكل من له ارتباط بملف التوظيف وإيجاد الحلول العاجلة؛ فقوة الوطن بموارده البشرية وعقول أبنائه، لأنهم سنده ومصدر عزته وأمانه وكرامته وأمجاده.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وجعل عام 2025 عام التوظيف والفرج على كل أبناء عُمان، وعام خير ورخاء للوطن الغالي العزيز.. وكل عام والجميع بخير.

الأكثر قراءة