ميناء السلطان هيثم

محمد بن عيسى البلوشي 


يطمح أبناء ولاية صور لعودة الدور التجاري والتاريخ الاقتصادي للولاية، التي كان ميناؤها الأبرز في منطقة الخليج العربي، ويسهم بدور رائد في مسارات التجارة بين الشرق والغرب وأفريقيا، وقد أشار الدكتور محمد بن سعيد بن دريبي العمري في رسالته البحثية لنيل درجة الدكتوراه ووثقه في كتاب "الجمارك العُمانية ونظمها في التاريخ الحديث والمعاصر 1861 - 2003) إلى أن "أهل صور استغلوا موقع بلادهم على خطوط الملاحة والاتصال عبر المحيط الهندي مع سواحله الآسيوية والأفريقية".
لربما أعود الى محتويات هذا الإصدار الثمين وأشير هنا إلى أن "ميناء صور لعب دورا كبيرا في عمليات نقل المنتجات والصناعات الهندية إلى العالم، وفي نفس الوقت اعتمد الهنود على سفن أهل صور بصفة خاصة في نقل المنتجات الأفريقية إليهم بصورة منتظمة". وهنا يسأل البعض عن أهم وأبرز السلع التي ارتبط بها ميناء صور، وأوضحها البحث بأنها "اللؤلؤ الخليجي، والماس، والذهب، والحديد، والعاج، والجلود، والحيوانات الأفريقية، والأرز، والتوابل، والزنجبيل، والكافور، والعود الهندي، والياقوت من جزيرة سرنديب. ومنذ أضحت نزوى عاصمة عُمان الداخل فقد ارتبطت بميناء صور عبر دروب الأودية لاستيراد ما تحتاجه من سلع".
لا شك أن الموانئ التجارية تلعب دورا جوهريا ومحوريا في ازدهار المدن والمواقع تذهب إليها أو تعود منها، فكما أكد الباحث أن "الموانئ التي كان يرتادها أهل صور في رحلاتهم بين آسيا وأفريقيا هي ميناء البصرة العراقي وبندر عباس الإيراني، وموانئ الكويت والبحرين وقطر ودبي على السواحل العربية من الخليج، وميناء كراتشي الباكستاني، وعدة موانئ على الساحل الهندي كبومباي، ومليبار وبنجلور، وموانئ جوادر ومسقط وقريات ومرباط العُمانية، ثم الموانئ اليمنية كالمكلا وعدن والحديدة ومصوع، وفي الشق الأفريقي فهناك ميناء مقديشو وباركيه في الصومال، ولامو ومومباسه وزنجار على الساحل الشرقي لأفريقيا".
ويقول العمري في كتابه: "أما السفن الأجنبية التي كانت تستخدم ميناء صور فهي من الهند والكويت ودبي واليمن؛ إذ كان الهنود ينقلون المنتجات الهندية كالأخشاب من مليبار، والفحم والزيوت والأقمشة من بومباي وبنجلور الى عُمان عبر صور ويستوردون المنتجات العُمانية والتي من أهمها بسور التمر والسمك المملح، أما السفن الكويتية وسفن أهل دبي فقد كانت تستخدم الميناء للراحة والتزود بالماء والحطب أو لاستيراد بعض السلع وأهمها السكر".
لن نستكفي من هذه الذاكرة التاريخية لميناء صور والتي يؤرخها الباحث في جوهرة إصداره الفريد من نوعه حول تاريخ الجمارك العُمانية، ولكننا نود أن نذكر أن شهرة ميناء صور كانت إبان الحرب العالمية الثانية فقط حيث أصبح أهم ميناء في المنطقة بأسرها لإعادة التصدير للمنتجات خصوصا المواد الغذائية الى كل دول الخليج، خصوصًا في دبي والكويت اللذين كانت سفنهما تصل إلى الميناء، كما يوضح العمري.
وعليه.. فإنَّ هذا الزخم التاريخي والدور التجاري والاقتصادي والحضاري الذي لعبه ميناء صور منذ تلك الحقبة، حق علينا إحيائه بمشروع تنموي يقام في العهد المتجدد من نهضة عُمان، وفي عصرها الزاهر الميمون الذي يقوده مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-، وذلك بإنشاء ميناء صور التجاري، الذي نرجو أن نراه قريبًا في منطقة صور الصناعية، والذي سيكون همزة الوصل بين الموانئ المُطلة على شواطئ بحر عُمان والاسواق المحلية المتعطشة الى الحراك الاقتصادي والتجاري؛ ففي "سكة البوش" روايات لا يزال شذاها يفوح بعبق ذكريات السفن الصورية التجارية.
إنَّنا كآبناء ولاية صور نؤمن بأهمية إيجاد ميناء تجاري في منطقة صور الصناعية يليق بمكانة سلطنة عُمان التجارية، ونتطلع إلى أن يحمل هذا المشروع التجاري والاقتصادي والاستثماري الأبرز في المحافظة اسم "ميناء السلطان هيثم"، لنُجدِّد مع اسمه الماجد الميمون تاريخ عُمان البحري والتجاري، من أهم موانئ سلطنة عُمان، ليتم إحياء هذا المجد كإضافة نوعية الى محافظة جنوب الشرقية.
ومع عودة إنشاء الميناء في مكانه المناسب، سيعود طريق الحرير التجاري الذي سيجعل من "ميناء السلطان هيثم" واسطة العقد الذي سيُحيي الحركة التجارية على مستوى ولايات سلطنة عُمان في المحافظات القريبة من جنوب الشرقية، وأيضًا سيرفع القيمة المحلية المضافة لاقتصاد المحافظة ويُعزز دوره الاقتصادي بشكل ملحوظ، ولربما نستطيع- بعودة الميناء- تحقيق مكاسب اقتصادية واستثمارية وتجارية أكبر؛ لأنه سيفتح أفقًا مُتجددًا لإحياء التاريخ مرة أخرى.


** خبير في الإعلام الاقتصادي
 

الأكثر قراءة