ما الضمير الإنساني؟ وما أهميته؟

 

عيسى الغساني

تُجمع البشرية على أهمية الضمير ودوره في تكيف الإنسان مع ذاته ومع محيطه ومن ثم ضرورة الضمير بمكوناته الأخلاقية كأساس للتعايش بين البشر، فبالضمير ومقوماته الأخلاقية تنشأ الحضارات وتبقى وبانحلاله تتهاوى الحضارات والأمم والدول، فعندما تهاوت اليونان والرومان والحضارة الإسلامية كان القاسم المشترك هو الانحدار في القيم والمثل العليا التي يجمع عليها البشر. وعلى مستوى الفرد يكون إهمال التفكير الأخلاقي، والعيش في بيئة مليئة بالكذب والخداع ينتج تبلد الضمير، والتبرير المفرط لأفعال وأقوال وتصرفات ليست سوية أو منطيقة.

والضمير الإنساني بقيمه في السلم والحرب يشكل ضرروة لا يجب تجاهلها أو الخروج عليها، وفي ثقافة الحرب وصل المجتمع الإنساني إلى قوانين تنظم سلوك الحرب معاهدة جنيف؛ فالحرب وإن كانت سلوكاً وحشياً وغير إنساني؛ إذ أتت سنة 1949 باتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية لتضع محرمات الحرب وهي حماية الأطفال والنساء وغير المُحاربين وحماية مقومات الحياة من ماء وغذاء ومرافق علاج، وكذلك منع الإضرار بالأعيان الثقافية وهذه القواعد والأعراف وقعت وصدقت عليها كل الأمم والشعوب.

وتقول الأمم المتحدة في مقدمة ميثاقها "نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانًا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نهيئ الأحوال اللازمة لتحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي".

وعندما تستمر الإبادة الجماعية في غزة ضد الأطفال والنساء والمدنيين وكل مقومات الحياة في عمل إجرامي مشين، ويأتي من يُبرر جريمة سافرة ترى وتسمع، فهذا ليس عملا أو تصرفا يمكن فهمه أو تبريره، بل هو موت للضمير والوعي وتخارج من كل القيم التي تجمع الإنسانية، فالغرب برر ودعم، ومن هذا فعله فضميره مات، ومن ادعى بما قدمته أوروبا للإنسانية من عصر النهضة الى عصر التنوير الى الحداثة، يبدو أن تلك الأفكار السامية رحلت وماتت، وأتى عصر الإهمال المستمر للتفكير الأخلاقي ومنطق التضليل الممنهج والتبرير المفرط للجرم، وهذه أعراض مرت على اليونان والرومان وجل الحضارات.

رحم الله ضمير الغرب، فلقد أصبح من الماضي!

الأكثر قراءة