الأفكار الزائفة

 

 

عيسى الغساني

الأفكار هي ركيزة بقاء الإنسان ومعين تطوره ونهوضه، فبها تستقيم الحياة وبها تنهض الأمم وبها تنهار وتتهاوى، وتتفاوت بين صالحة ونافعة وبين فاسدة وضارة وهي الأفكار الزائفة. ومن حيث التعريف، الأفكار الزائفة معتقدات أو تصورات يظن الفرد بأنها صحيحة، لكنها مؤسسة على معلومات غير صحيحة وخاطئة، وربما بُنيت على تحيُّزات معرفية أو تأثيرات اجتماعية وثقافية، وبعبارة أخرى هي غِلات ذهنية غير صحيحة، لكنها قد تتراءى لصاحبها موضوعية ومتسقة. قد تكون أولية (خطأ في فهم معلومة) أو مركبة (نظرية متكاملة لكنها غير صحيحة). وتختلف عن الكذب لأن الشخص المؤمن بها لا يقصد الخداع، بل يعتقد بصحتها.

ومصادر الأفكار الزائفة الانحيازات المعرفية، كأن يبحث الشخص عن المعلومات التي تعزز فكرته فقط ويتجاهل ما عدا ذلك من حقائق ومعلومات. وتأتي بعد ذلك المعلومات المُضلِّلة من وسائل التواصل أو مصادر غير موثوقة أو وسائل إعلام. ومن وسائل التزييف الذاتي للأفكار الخبرات الشخصية عندما يُعمم الإنسان تجربته الفردية على كل الحالات.

وتأثير الجماعة ربما يدفع الفرد لتبني أفكار الجماعة الزائفة خوفًا من الاختلاف والإقصاء من طرف الجماعة، ومن المهم في سياق هذا الطرح أن يُفهم الفرق بين الفكرة الزائفة التي ترتبط بالتصورات والأفكار المنظمة، وبين الإدراك الزائف الذي يتعلق بتفسيرات لحظية للمثيرات والأحداث. وتكون الأفكار طويلة الأمد، وهنا تكمن آثارها غير المحمودة. وليس ببعيد أن الزيف الذهني قد ينشأ أيضًا من الخوف أو الأمل المفرط، إذ تدفع العاطفة العقل لتصوير الواقع بطريقة أكثر راحة أو أقل تهديدًا.

وهذا قد يكون آلية دفاعية نفسية، لكنه يبعد الفرد عن الحقيقة. في أحيان أخرى قد يتأثر العقل بالدعاية أو الإشاعات، فيعيد تشكيل الواقع وفق ما يتعرض له من تكرار وإيحاء، حتى يصبح الزيف حقيقة في نظر صاحبه. ويرى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو أن فرض أنماط التفكير والقيم على المجتمع بشكل غير مباشر يجعل الأفراد يتبنونها كأنها حقائق موضوعية بينما هي تصورات مفروضة، وواقع تتعرض له المجتمعات نتيجة دوافع منها تعظيم الاستهلاك المفرط للسلع والمنتجات الحديثة.

ولحماية النفس من هذا الخداع الداخلي يحتاج الإنسان إلى وعي نقدي مستمر، وذلك يتطلب مراجعة الأفكار بانتظام، والسماح للآخرين بطرح أسئلة أو ملاحظات على قناعاتنا حتى نكسر دائرة التبرير الذاتي. كذلك ينبغي البحث عن مصادر متعددة للمعلومة، والانفتاح على الأدلة، حتى لو كانت تهدد قناعاتنا السابقة.

الأكثر قراءة