أ.د. حيدر أحمد اللواتي
يتم تقدير القوة التفجيرية للسلاح النووي باستخدام وحدة تعرف بالكيلوطن، والكيلوطن الواحد يعادل 1000 طن من مادة TNT الشديدة الانفجار، والسبب في استخدام هذه الوحدة يعود لشدة الانفجار في السلاح النووي والذي يفوق في العادة انفجار 1000 طن من مادة TNT الشديدة الانفجار، ولعل القارئ الكريم يتذكر الانفجار الضخم الذي هز بيروت بكاملها وهو الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت عام 2020، ويعد من أكبر الانفجارات غير النووية وتقدر القوة التفجيرية له بـ1.1 كيلوطن.
أما القنبلة التي دمرت مدينة هيروشيما بلغت قوة الانفجار النووي 15 كيلوطنًا، لكن هذه القنبلة النووية تعد منخفضة الكفاءة مقارنة بالأسلحة النووية اليوم، فلقد بلغت نسبة التخصيب المستخدم في قنبلة هيروشيما حوالي 83%، بينما تفوق نسب التخصيب في السلاح النووي اليوم 90%، ولذا فإن القوة التفجيرية للسلاح النووي ومنذ عام 1950 (أي بعد الحرب العالمية الثانية) ارتفعت وبشكل كبير؛ لدرجة أننا اضطررنا لاستبدال وحدة كيلوطن بوحدة أخرى وهي ميجاطن، والميجاطن تعادل 1000 كيلو طن!
والأسلحة النووية اليوم أكثر تطورًا وفتكًا مما كانت عليه في الحرب العالمية الثانية؛ فهي أكثر تعقيدًا وقدرة تفجيرية، وتعرف هذه الأسلحة النووية بالأسلحة النووية الحرارية.
والقنبلة النووية الحرارية- المعروفة أيضًا بالقنبلة الهيدروجينية- هي نوع من الأسلحة النووية التي تعتمد على تفاعل الاندماج النووي لإطلاق كمية هائلة من الطاقة، بخلاف القنبلة النووية الانشطارية التقليدية التي تعتمد فقط على انشطار نوى الذرات الثقيلة مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم؛ مما يؤدي إلى إطلاق طاقة هائلة تفوق طاقة القنابل الانشطارية بمئات أو آلاف المرات.
هذا النوع من القنابل يُولِّد درجات حرارة مرتفعة جدًا، تفوق حرارة مركز الشمس لكن هذه الحرارة تكون لفترة لا تتجاوز جزءا من الثانية؛ فعندما يحدث انفجار نووي حراري (قنبلة هيدروجينية) تكون درجات الحرارة في مركز التفاعل داخل القنبلة غير قابلة للتصديق، حيث تصل إلى ما بين 100 إلى 200 مليون درجة مئوية أو أكثر، ولكن لفترة قصيرة جدًا، إن هذه الحرارة الفائقة تحدث في نواة القنبلة؛ حيث تنصهر أنوية ذرات الهيدروجين وتندمج لتطلق طاقة هائلة في جزء من الثانية.
لكن هذه الحرارة الهائلة موجودة فقط داخل حجم صغير جدًا داخل القنبلة نفسها، وتختفي بسرعة كبيرة بعد الانفجار، أما في الهواء المحيط بالموقع؛ فتنتشر الحرارة وينخفض تركيزها بسرعة كبيرة مع زيادة المسافة من نقطة الانفجار.
بعد الانفجار، تتوسع كرة النار بسرعة هائلة، وفي الثواني الأولى تكون درجة حرارتها ملايين الدرجات، لكن بعد دقيقة واحدة فقط، تصبح كرة النار أكبر حجمًا -تصل إلى عدة مئات من الأمتار- وتنخفض درجات الحرارة داخلها إلى آلاف الدرجات مئوية.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية في أول تجربة لهذا النوع من الأسلحة وذلك عام 1952، وقد بلغت قوته التفجيرية 10 ميجاطن؛ أي ما يعدل حوالي 600 قنبلة من القنابل التي أسقطت على هيروشيما، وقد حولت هذه القنبلة النووية الحرارية جزيرة إلوغيلاب (Elugelab) إلى ذاكرة التاريخ، فلقد تبخرت الجزيرة بكاملها، تاركة حفرة تحت الماء بعرض يقدر بأكثر من ثلاثة كيلومترات وعمقا يقارب الكيلومتر الواحد، وبحلول عام 1954، تم تطوير تصميم عملي لهذه القنابل النووية الحرارية، فيمكن تسليمها بواسطة الطائرات، وتبلغ القوة تفجيرية لها 15 ميجاطنًا، أما روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا)، فقد أجرت أول تجربة على هذا الصنف من الأسلحة عام 1955، ومنذ ذلك الحين بدأ كلا البلدين بنشر أسلحة نووية حرارية بقدرة ميجاطن، أولًا على القاذفات الجوية ثم على الصواريخ، ، أما أكبر تجربة لسلاح نووي فكان بقوة انفجار تعادل 50 ميجا طنًا وهو ما يفوق القنبلة التي أسقطت على هيروشيما بـ3000 ضعف!
واليوم هناك عدد من الصواريخ العابرة للقارات تحمل 10 رؤوس نووية، تتراوح قوتها بين 500 كيلوطن إلى 1 ميجاطن؛ أي أن القوة التدميرية لأصغر رأس نووي يفوق القوة التدميرية للقنبلة التي أسقطت على مدينة هيروشيما بـ30 ضعفا.
ولإضافة مرونة أكبر على استخدام الأسلحة النووية، فقد تم تطوير أسلحة نووية صغيرة ذات وزن أخف وقوة تفجيرية أقل لكنها تتميز بدقة عالية، مما يزيد من كفاءتها بشكل ملحوظ.
لقد تم تقدير عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية ما بين 55 إلى 85 مليون نسمة، ما بين عسكريين ومدنيين، كما تم تقدير القوة التفجيرية لجميع الأسلحة التي تم استخدامها في تلك الحرب وعلى مدى الحرب بأكملها بما يعادل 6 ميجاطن.
ولكي نُدرك حجم المخاطر من هذه الأسلحة النووية، يكفي العلم أن إحدى الغواصات النووية للولايات المتحدة الأمريكية تحمل صواريخ نووية تفوق قدرتها التفجيرية جميع ما تم استخدامه في الحرب العالمية الثانية بـ90 ضعفًا!
وتشير التقديرات إلى وجود ما يقارب من 4000 سلاح نووي في العالم يمتلكه عدد من الدول، وتقدر القوة التفجيرية لهذه الأسلحة وغيرها بما يعادل 300 ضعف من القوة التفجيرية التي تم استخدامها في الحرب العالمية الثانية!
ولذا.. فالكثير من العلماء والمحللين يدركون أنه وفي حال نشوب حرب عالمية ثالثة، وتم استخدام السلاح النووي فيها، فإن ذلك سيؤدي إلى إبادة هائلة للبشرية وربما إلى فنائها؛ لأن السماء ستكون مُشبَّعة بدخان أسود كئيب، كأنه يبتلع كل نور وهواء، والأشجار التي كانت يومًا خضراء، ستكون رمادًا أسودَ، والريح التي تهُب، ستحمل معها رائحة الموت، والمدن ستتحول إلى أطلال مهجورة، وستغدو الأرض مُشقَّقة ومُحترِقة، كأنها تنزف جرحًا عميقًا لا يبرأ... ستعاني وستبكي خسائرها بحرقة، فستفقد أفلاذ أكبادها... وتكاد تفقد مولودها المدلل.. الحياة بكل أشكالها!