أربق.. واجهة مطرح البحرية

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

 

 

الأديم المُترامي الواقع بين جبلين في أقصى شمال مدينة مطرح العتيقة ما زالت آثاره غارقة في مكنون أحلامنا ورذاذ ذكرياتنا القليلة المتبقية عن هذه القرية الوادعة المطلة على بحر عُمان والتي كانت تعرف قديمًا باسم "أربق".

هذا المكان وما يحويه في ذلك الزمان، أشار إليه عدد قليل جدا من الكتاب الذين حاولوا كشف الغمة في معرفة سر الأقوام التي استوطنت هذا الجزء من مطرح، وخير من أشار إلى ذلك هو المؤرخ البريطاني "جي جي لومير" في عام 1908 حين أشار في معجمه الجغرافي عن بلدان الخليج "أن (أربق) قرية صغيرة تقع على الشاطئ يقطنها أبناء قبيلة بني زراف وجلهم من البحارة والتجار الذين يبحرون للهند ... وأشار إلى تدهور أحوال القرية حينها كان نتيجة فقدانها لعدد من مراكبهم في البحر. كما أحصى فيها "لومر" وجود 25 نخلة و5 من الحمير و4 أبقار و60 من رؤوس الماعز والأغنام... وأشار أيضًا بأنها كانت تأوي ليلًا في ثكنة القرية 50 عسكريًا كانوا يعملون على تأمين الحماية لمدينة مطرح المجاورة ...".

ونظرًا لندرة المعلومات المتوفرة عن "أربق" وتعطش الكثير من المهتمين بمعرفة سر خفوت صيتها وهجرة أهلها؟، نحاول في هذا السياق استرجاع ما تختزنه ذاكرة كبار السن من رجال جارتها "حارة الشمال" عن مشاهد كانت قائمة خلال أربعينيات وستينيات القرن الماضي، وهي أن "أربق"، كانت مأهولة بأطياف متعددة من العائلات البارزة وإن كان "بني زراف" هم الأكثر شهرة بحكم ما فتح الله لهم من خير وفير وعيش رغيد، الأمر الذي أدى إلى ارتباط اسم عائلة الزرافي بالمكان وحمل من كان يقيم منهم هناك لقب "الأربقي".

ومن المشاهد التي كانت حاضرة في تلك الفترة أن لـ"أربق" مسجدين أحدهما في الجهة الشرقية المواجهة للبحر والآخر في الجهة الغربية على الطريق المؤدية إلى قرية "شطيفي"، كما كان هناك بئرين للمياه العذبة يستقي منهما الأهالي أحدهما بالقرب من المسجد الواقع في الجهة الغربية من القرية والقريب من "عين زجاجوه" وهي عين ماء دافقة كانت تقع على المنفذ المؤدي إلى قرية "عينت" القريبة. كما توجد في "أربق" مقبرة قديمة للأهالي تحتضن تُربة العديد من أهل المنطقة، أما في أقصى الطرف الشمالي من الساحل تقع محرقة (البانيان) الذين كانوا يحرقون فيها موتاهم حسب الطقوس الهندوسية المعروفة، وفي المقابل تقف قلعة "أربق" شامخة على قمة الجبل متسيدة المكان ومشكلة مع قلعة مطرح طوقًا أمنيًا لحماية البندر.

لقد كانت "أربق" في سالف الزمان تحوي الدور الباهية بشرفاتها وإطلالاتها البحرية الشبيهة ببيوت جاراتها من حارات مطرح القديمة، وتشير بعض المصادر أنه بعد اندثار أغلب مباني "أربق" وتحولها إلى أطلال، بقيت فيها داران قاومتا غدر الزمن وجوره إحداهما لعائلة الزرافي في حين كانت الأخرى لأحد العائلات من القواسم، وكانت دار الزرافي مبنية من الحجارة والجص العُماني وأفخر أنواع الخشب الذي كانت قد جلبته العائلة من الهند. وبعد أن جار الزمن على "أربق" واندثارها اضطر الأربقي في النهاية إلى بيع داره لأحد العائلات التجارية الميسورة في مطرح لإستخدام ما يصلح من حجارتها و جصها وخشبها لبناء دار جديدة في إحدى حارات مطرح القديمة، وهكذا كان الزرافي والقاسمي آخر من غادرا "أربق" للأبد وبالتالي اندثرت "أربق" وولت أثرا بعد عين.

على إثر ذلك، تحول المكان إلى قفار واطلال واستخدمت ساحاته من قبل الصيادين لتجفيف أسماك (السردين)، كما أستخدم في أيام المحن كملجأ لأهالي مطرح من الحرائق، إضافة إلى أنه كان حجرا صحيا في أزمنة وباء الجدري والطاعون، وفي وقت لاحق، اهتم به شباب حارة الشمال وكانت لهم و للعديد من الأسر المطرحية الملجأ والمنتجع الذي يقضون على رماله الذهبية أجمل أوقاتهم في الترفيه والاستجمام وممارسة هواية السباحة وصيد الأسماك، كما أنشئت فيها ملاعب ترابية لممارسة لعبتي كرة القدم والهوكي اللتين أخذتا في الانتشار في تلك الفترة.

بعد اكتشاف النفط في عُمان والبدء في تصديره في عام 1967، أعلن السلطان سعيد بن تيمور في خطابه المشهور في عام 1968 عن مجموعة من المشاريع الإصلاحية، وبذلك تم تكليف شركة استشارية بريطانية لدراسة أفضل السبل لتطوير مرافق الموانئ في مدينتي مسقط ومطرح، ووقع الاختيار على بناء ميناء تجاري حديث في هذه البقعة المندثرة من أرض "أربق"، إلّا أن ذلك المشروع تأخر قليلا حتى بداية عصر النهضة المباركة في عام 1970، حين بدأت الآلات الضخمة ومتفجرات الديناميت في دك الجبال دكًا والقضاء على ما تبقى من الأطلال، وهكذا طُويت صفحة أربق للأبد، بعد أن كانت في آخر عهودها متنفسًا لأبناء مدينة مطرح وما جاورها، وحل مكان أطلالها ميناء السلطان قابوس الذي اكتمل بناؤه في عام 1974، وفي عام 2011 جاءت الأوامر السامية بتحويله إلى ميناء سياحي، ثم في عام 2016 أُعلن رسميًا عن إنشاء واجهة بحرية مكتملة المرافق والبنيان في هذا الموقع الحيوي، إلّا أن هذا الحلم بقي يراوح مكانه رغم تعاقب العديد من الإدارات والشركات والكثير من الخطط والإستراتيجيات الورقية التي كلها لم تفلح حتى الآن في استغلال هذا المرفق كواجهة بحرية سياحية كما تم الترويج له في العديد من المناسبات ولم تر أي منها النور حتى كتابة هذه السطور وبالتالي لم تحقق طموحات المطرحيين في مشاهدة حلم الواجهة البحرية السياحية على أرض الواقع.

ونحن نتساءل كما يتساءل العديد من المواطنين ونبحث عن إجابات شافية عن الإخفاقات المتكررة لهذا المشروع الحيوي الذي كان يعوَّل عليه الكثير لرفد ميزانية الدولة وتوجهها لتنويع مصادر الدخل حسب رؤية "عُمان 2040"، فهل يا ترى سيتحقق مشروع واجهة مطرح البحرية في يوم ما؟!

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة