تكريم السيد خالد في أكبر مهرجان موسيقي عربي

 

محمد بن أحمد البلوشي

 

في عام 1968، قدمت فرقة الموسيقى العربية أولى حفلاتها على مسرح سيد درويش بمدينة الإسكندرية في مصر، في ذات العالم كان رائد الأغنية العُمانية سالم بن راشد الصوري يقدم أغنية (حبيب القلب ما قصدك).. الصوري كان يسبق زمنه، حيث أسس أستوديو تسجيلات "سالم فون" ليُساهم في ظهور العديد من الأغاني والفنانين ليس في عمان فحسب بل في منطقة الخليج. اليوم لا يعرف الكثير من العُمانيين ماذا يعني فنان كبير مثل سالم بن راشد الصوري من قيمة وإرث تاريخي للبلد. لا يوجد مسرح ولا أستوديو ولا أي شيء يخلد اسمه!!

سأعود لفرقة الموسيقى العربية التي بدأت في العام المذكور أولى حفلاتها، لم ينتظر الأشقاء في مصر سوى 25 عاماً من تاريخ تأسيسها حتى أطلقوا مهرجان الموسيقى العربية. وهو يعد من أهم المهرجانات الموسيقية على مستوى الوطن العربي. لو نلاحظ قليلاً كيف تحتفي الدول بالظواهر الثقافية لديها، لوجدنا أن فرقة الموسيقى العربية أقامت أولى حفلاتها على مسرح يحمل اسم رائد الأغنية العربية سيد درويش، المسرح سُمي باسمه اعترافًا وتقديراً لما قدمه طوال مسيرته، ونلاحظ أيضًا أن مهرجان الموسيقى العربية أطلق احتفالا بمرور 25 عاماً على إطلاق فرقة الموسيقى العربية أولى حفلاتها. أتطرق لهذه الإشارة لعلنا نتذكر كل الذين أسهموا في صناعة المشهد العماني بمختلف المجالات ونكرم كل من يضع اسم عمان بألق في المحافل الدولية.

قبل أيام كرم مهرجان الموسيقى العربية السيد خالد بن حمد البوسعيدي على مسيرة موسيقية امتدت لأكثر من أربعين عامًا، هذا الحدث ليس عادياً على الإطلاق، وليس تكريما لملحن وموسيقي عُماني فحسب بل هو تكريم للموسيقى والمشهد الثقافي في عُمان. وما يدفعنا لاعتباره حدثاً مهماً للغاية هو أنَّ هذا الملحن الموسيقي كان السبب في أن يخصص المهرجان ليلة من ليالي فعالياته للموسيقى العمانية. وفي الحقيقة يكاد الجمهور العربي أن يكون جاهلاً بهذه الموسيقى. قد يكون توصيفي للمشهد قاسياً نوعاً ما لكنها الحقيقة، مع اعترافي بأن هناك محاولات مُهمة وأغان وصلت للجيل الجديد من الجمهور العربي. مثل أعمال الرائع صلاح الزدجالي. تخصيص ليلة من ليالي المهرجان للموسيقى العمانية أو موسيقى السيد خالد يدل على أهمية هذه الأعمال. من السهل أن نذكر عددا كبيرا من هذه الأعمال ونعرض عناوينها لكن الأكثر أهمية هي التفاصيل والأسلوب اللحني. حيث يمكن القول إنه لم يختر أسلوباً معينًا أو قالبا من القوالب، بل اعتمد أسلوبه الخاص، فعلى سبيل المثال كان من الممكن أن يستخدم في أغنية مسافر إيقاعا مختلفا عن اللحن، لكنه اختار إيقاعاً يناسب بيئة الفنان سالم علي سعيد.  لاحظ أننا نتحدث عن أغنية تعتبر في بدايات مسيرته في التلحين. هذه المسيرة الطويلة ميزها الحرص على الانتقال بين المقامات في الأغنية الواحدة، في معظم الأعمال نلاحظ أنه يتعمد الانتقال بين مقامات الموسيقى العربية وهذا أمر مقصود فهو لا يحب الموسيقى المعلبة سهلة التنفيذ. وفي أحيان يقوم بإجراء تجارب غير متوقعة مثل أن يلحن أغنية بروح أوركسترالية وفي ذات الأغنية تجد أن الموسيقى التقليدية العمانية تدخل بسلاسة وبمباركة أوركسترالية، لو ركزنا في الجملة الموسيقية التي تربط بين النموذجين وهي الانتقالة بين الأسلوبين في أغنية (نبض واحد)، سنلاحظ هارموني جميل في التسليم أو التمريرة في لغة كرة القدم.

في إحدى المرات كنت برفقة السيد خالد في روما، وكانت هناك في بهو الفندق آلة بيانو ضخمة. في هاتفي كان لدي مجموعة ونماذج مختلفة من الموسيقى العالمية، أسمعته لنصف دقيقة موسيقى فلامينكو بإيقاع صوفي عربي، كان مزيجا فريدا دون أدنى شك، بعدها توجه السيد خالد للبيانو وعزف ذات اللحن لكن بتقنية عالية جدًا، كنت ألاحظ ( التكنيك) لأنَّ عزف اللحن لم يكن مشكلة، التنكيك الذي عزف به كان مذهلا، لم تغب روح الإيقاع الصوفي على الرغم من أنه كان يعزف على آلة البيانو. دون وجود إيقاع، (لم تكن الآلة  أورج أو كيبورد به إيقاعات)، يومها شعرت أنني أمام رجل متمكن جداً من موهبته ولديه رؤية وفهم فريد للموسيقى سببها الموهبة الكبيرة. أتذكر جيدا ذلك اليوم قبل 16 عامًا، الذي صفق له موظفو الاستقبال الإيطاليون. تفاصيل كثيرة ونحن هنا لسنا بصدد تحليل أعماله فنياً وما إلى ذلك. الأوركسترا في أعمال خالدة مثل (تزهو بك الأعوام) والشعور بروح حاراتنا الجميلة في (شوق المضانين) وجوابات الكمنجات في (مسافر) كفيلة بالحديث عن موسيقى السيد خالد بن حمد.

بعد تكريمه من مهرجان الموسقى العربية وكل ما قدمه من إرث موسيقي عماني متنوع، ما هي الخطوة التالية؟. هذا السؤال ليس موجها للسيد خالد. بل المقصود به كيف يمكن الاحتفاء بهذا الفنان محلياً وكيف يمكن الاستفادة منه بشكل ممنهج واستراتيجي لتطوير المشهد الثقافي في البلد.... سأترك النقاط وحيدة والسؤال مفتوحا؟

تعليق عبر الفيس بوك