مبادرة الاعتذار

 

وليد الخفيف

 

هو نفس المكان، لكنَّ الزمان واللاعبين مختلفون.. إنه مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر؛ حيث الأرض التي لعبت مع أصحابها طوعًا في العام 2003، عندما فاز الأحمر العُماني على كوريا الجنوبية بثلاثة أهداف لهدفٍ، في واحدة من أروع مبارياته. فوز مستحق- آنذاك- مشفوع بأداء رفيع من لاعبين كبار عزفوا ألحان النصر، وكشفوا النقاب عن منتخب واعد، يُمتع ويُقنع ويترك أثرًا مضيئًا تحفظه صفحات التاريخ.

المكان عينه في ليلة الثلاثاء، والقميص نفسه، لكن من يرتدونه مختلفون.. الفوز تحوَّل لخسارة بالنتيجة نفسها.. الأداء المُمتع قبل عقدين تحوَّل لأداءٍ باهتٍ متواضعٍ ركيكٍ.. الثقة تبددت خيوطها تحت وطأة الشكوك والخوف والرهبة وعدم الجاهزية.. تلاشت الرغبة وتراجعت الروح القتالية واجتاح التكاسل والتواكل كل أرجاء الملعب.. انطفأت ابتسامة النصر وحلاوته وآماله، وتحولت إلى غصة وحزن خيَّم على أرقى مدرجات الخليج وأروعها.. ويبقى الجمهور الراقي القاسم المشترك بين موقعتين يفصلهما واحد وعشرون عامًا؛ فالوفاء وعدٌ وعهدٌ قطعه الجمهور على نفسه، بألّا يترك منتخبه وحيدًا في الميدان!

تبدو الفوارق شاسعة بين الجيل الذهبي وجيل المُجتهدين؛ فهاشم صالح وفوزي بشير وهاني الضابط الذين هزُّوا شباك الشمشون وكسروا أنف هيبته، اعتزلوا ولم تجد ملاعب الأندية بمثلهم، ورحلة البحث التي استمرت 20 عامًا أو يزيد، لم تفِ مخرجاتها بالوعود، ونحتاج لعمل كبير وجديد حتى تنسجم الطموحات مع مستوى اللاعبين وجودتهم.

قبل أن نطوي صفحتي العراق وكوريا بجفون دامعة، علينا أن نُصارح أنفسنا وأن نُحلِّل بعمق أسباب الهزيمة، بمنطق وشفافية لا تقبل المواربة؛ فالاتحاد يتحمل مسؤولية التعاقد مع مدرب ضعيف فنيًا، محدود الفكر، ضيق الأفق، لا بصمة له، وجهاز فني معاون لم يراع معايير الكفاءة لاختياره، وتتحمل الأندية فقرَ وضعفَ مُنتجها على مستوى الفريق الأول والمراحل السنية، التي خسرت أيضا معظم المحطات. جودة اللاعبين لا ترقى لحد الطموح، وما تجميد نشاط نصف الأندية المُشهرة سوى انعكاس لواقع إداري ومالي صعب تعيشه الأندية، ولا أُعفي اللاعبين من المسؤولية، فلو كان المنطق يقول إن الجودة والخبرة والقيمة السوقية ترجح كفة كوريا، لكن لاعبينا لم يقدموا ما يشفع لهم من كفاح لحفظ ماء الوجه؛ فأداؤهم جاء رتيبًا تقليديًا عقيمًا يفتقد للثقة والرغبة والإرادة والروح القتالية، وأغلبهم لم يسعوا جاهدين لتطوير مستواهم الفني، والدليل على ذلك فشل كل التجارب الاحترافية لهم. بعضهم لم تستغرق رحلته الخارجية سوى دور واحد لبضعة أشهر في أندية تبدو مغمورة قبل العودة للديار؛ بل إن انتقالات بعضهم جاءت لأندية أقل من الأندية المحلية!

على الاتحاد أن يخطو سريعًا لتصحيح المسار، وإحياء الأمل، وإعلان خطة الإنقاذ العاجلة، بتقييم فني شفّاف للجهازين الفني والإداري عبر مختصين، وإعفاء الجهازين الفني والإداري لو رجحت التقارير الفنية ذلك دون تباطؤ، والبدء في رسم خطة متوسطة المدى بشراكة حقيقية مع كافة الأطراف المعنية.

باتت الأندية بحاجة لتشريعات جديدة تنسجمُ مع مقتضيات المرحلة الحالية، ووضع أطر تشريعة صارمة للحد من ظاهرة تجميد النشاط، وبناء تكتلات اقتصادية جغرافية مُدمَجة للأندية، وتطبيق الحوكمة بشكل دقيق يفضي إلى تحقيق الجودة والقيمة المضافة، والكشف عن صيغ تنفيذية للقرارات السابقة، والتخلّي عن قصة الدعم الحكومي وحده لآفاق أوسع، تضمن تنويع العوائد وحُسن إدارة الأموال؛ بما يضمن تنفيذ خطط التطوير الفني المرجوة؛ فمشروع النهوض بملف كرة القدم متشعبٌ ويحتاج لعمل كبير من كافة أطراف المنظومة.    

إنني أنشد من اللاعبين مبادرة الاعتذار للجماهير بعد تواضع الأداء، ولا أقصد اعتذارًا شفويًا أو إصدار بيان وما شابه؛ لكنني أطالبهم بأداء مُغايِر لا يساوره الشكوك، ويدفع عجلته الطموح، وتُعزِّز مساراته الآمال والرغبة الحقيقة في الإبداع، الذي يليق باسم عُمان.