جابر حسين العماني
عندما كُنَّا صغارًا كانت تغرس في نفوسنا مفاهيم القوة والشجاعة والغيرة والحمية العربية الأصيلة التي تهيئنا للدفاع عن أنفسنا وأوطاننا ومقدساتنا أينما كنَّا، ومن تلك المفاهيم التي كانت تبث في نفوسنا هي كيف نكون أقوياء؟ وكيف نكون أصحاب رسالة وغيرة وقيم ودفاع عن المظلومين في العالم؟
كنا نشاهد عبر الإعلام العربي الأفلام والرسوم المتحركة المختلفة والمتنوعة، والتي كان أحدها فيلم رعد العملاق، الفيلم الذي كان في بداية كل حلقة منه يعرض شعرا حماسيا يبعث في نفوسنا روح القوة والبطولة والشجاعة وهو كالاتي: "رعد العملاق // جاء جاء ليحمنا// يحمي الدار والسماء // من كل الأشرار// رعد القوي // رعد الشجاع // يضرب الأعداء // أسرع من الشهاب // أقوى من الألغام // ينصر الإنسان // يساعد الصديق // صديق الأحرار // عدو الأشرار".
كان أغلب الإعلام العربي يهيئ النفوس للدفاع عن المظلومين والمستضعفين في العالم، وكان الطفل العربي يشاهد تلك الأدوار والمشاهد الجميلة حاملا في نفسه رسالة عظيمة ومسؤولية أعظم، وهي كيف يجعل من نفسه جنديا عملاقا لنصرة الحق والوقوف مع المظلومين والمحرومين في العالم؟
لكن يا ترى هل لا زال الإعلام العربي مُربيًا للأجيال الحاضرة على تلك المشاهد المشجعة والمحفزة على القوة والشهامة والبسالة والشجاعة بهدف الدفاع عن الإنسان وعرضه ومقدساته؟ أم تغيرت أجندة الإعلام إلى عكس ذلك؟
اليوم عندما نتأمل الإعلام العربي نرى بعضه بات يؤمن بالثقافة الغربية التي باتت تؤرق المجتمعات العربية والإسلامية وتحولها إلى مجتمعات ضعيفة ومهزوزة من الداخل، فهناك من القنوات العربية التي حذفت معاني القوة والبسالة والشجاعة من قنواتها، كحذف الجهاد في سبيل الله، واستبدال الجهاد والقوة والدفاع عن المقاسات بالحديث عن النسوية والمثلية والماسونية والصهيونية والرأسمالية، وإحياء الليالي الصاخبة بالاحتفالات الماجنة التي يرفضها الشرفاء في العالم البشري.
اليوم عندما يُسيطر الغرب بأدواته الإعلامية المضللة على كثير من الأفكار العربية الأصيلة، صار البعض لا يهتم أن يكون كرعد العملاق في نصرة المظلومين والمحرومين في العالم، وما نراه اليوم في غزة وفلسطين وكثير من بقاع العالم خير مثال يمكن لنا ذكره، فهناك من الأطفال والشيوخ والنساء الذين يقتلون في كل يوم، وهناك من لا زال يئن ويحن، مطالبا من الدول العربية والإسلامية وعلمائها النجدة والاغاثة، ولا من مجيب إلا من رحم ربي من شرفاء وأحرار العالم.
ليس علينا بالضرورة أن نكون كرعد العملاق؛ فتلك شخصية وهمية بثها الإعلام في رسوم متحركة أريد منها تحريك الضمائر، ولكن علينا أن نكون كقدواتنا الحقيقية، وهم: الأنبياء المخلصين، والخلفاء الراشدين، الذين كانوا لا ينامون ليلهم ونهارهم إذا سمعوا أن هناك مظلوم، أو محروم، لذا ينبغي على كل مسلم ومسلمة نصرة الحق أينما كان موقعه ومكانه، فالإنسان بفطرته يعلم أن الظلم في دنياه قبيح وينبغي اجتنابه، وهذا إن دل على شي فإنما يدل على أهمية نصرة المظلوم والدفاع عنه، وليس هناك أفضل وأجمل من أن ينصر الإنسان العربي اخوانه وأخواته في غزة الأبية وفلسطين الزكية بل وفي كل بقعة من بقاع العالم تشكو من الظلم والهوان والاستبداد.
قال الله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ" (إبراهيم: 45).
وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين وسيد البلغاء صاحب كتاب نهج البلاغة الإمام علي بن أبي طالب: "إِذَا رَأَيْتَ مَظْلُومًا فَأَعِنْهُ عَلَى اَلظَّالِمِ"، وقال: "قُولاَ بِالْحَقِّ، وَاِعْمَلاَ لِلْأَجْرِ، وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْمًا وَلِلْمَظْلُومِ عَوْنًا".
إنَّ مسؤوليتنا العربية والإسلامية اليوم تجاه ما يجري من ظلم في غزة الأبية، وفي كثير من بقاع العالم هي مسؤولية عظيمة يجب أن يتحملها الجميع، وذلك من خلال الدعم المادي والمعنوي، لكسر الحصار المفروض على الأحبة هناك، بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، ولا يكون ذلك إلا من خلال تفعيل الجوانب الداعمة والناصرة للقضية الإنسانية كتفعيل الجانب السياسي، وابراز الإعلام النزيه؛ وذلك من خلال تفعيل البرامج الهادفة لنشر المبادئ الصحيحة لتربية أجيالنا القادمة، وتكثيف جهود الاغاثة، والدعاء للمظلومين في الصلوات والخلوات، وطلب النصر والثبات من الله تعالى للمجاهدين والمرابطين، وكما قال المُناضل الفلسطيني الكبير أبو عبيدة: "إنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد".