قراءة في السيكولوجية الإسرائيلية

 

محمد رامس الرواس

 

عُرفت الشخصية اليهودية على مرِّ التاريخ بصفات عدة محل ذم وانتقاد، ربما لن تجدها في أي شعب حول العالم، وعندما نُريد أن نسبر أغوار السمات الشخصية أو دراسة سيكولوجية هذه الشخصية، فإنَّ القرآن الكريم خير من يدُلنا على ذلك، على الرغم من أن صفات هذه الشخصية اختلطت بالفكر الصهيوني الاستعماري، فأصبحت شخصية مُعقدة ومُركبة في تصرفاتها وعنصريتها وعدوانيتها.

لقد صوَّر لنا كتاب الله العزيز الطريقة التي يُفكر بها هؤلاء القوم من البشر- أي اليهود- ولم يترك مجالًا لتحليلها أو التنبؤ بأفعالها، وتوقع ما تمارسه من آفات أخلاقية سيئة، فقدم لنا تعريفًا سيكولوجيًا لها، وأبرز القرآن فكر وعقلية الشخصية اليهودية التي تشكّلت عبر التاريخ من خلال الإيمان بالأساطير والبحث عن كل ما هو خارج عن المألوف، ومن ذلك أن سيدنا موسى عليه السلام، لم يبرح أن تركهم لبعض الوقت حتى عبدوا العجل بعد ذهابه!

واليوم أصبحت معالجة هذا السرطان اليهودي الصهيوني، تقع على عاتق الإنسانية جمعاء، وعلى المجتمع الدولي ككل، وليس أدل من ذلك ما شاهده العالم من ارتكاب الصهاينة لهذا الإثم الذي لا يُغتفر في غزة، ومحاولتهم اليائسة لمحو شعب بكامله وإبادته. والشاهد لدينا أنَّ إشعال اليهود للحروب يُمثل واحدة من أولوياتهم التي يعملون على صناعتها عبر التاريخ، وقد سخّروا لذلك أموالهم ونفوذهم وجميع الأدوات التي يملكونها وربما التي لا يملكونها. ولولا رحمة الله بشعوب الأرض، والأقدار الإلهية التي تساهم في إطفاء لهيب هذه الحروب التي حاولوا على مدار العصور القديمة والحديثة إشعال فتيلها في العالم من شرقه لغربه، لصار العالم رمادًا.

لم تكن الحربان العالميتان الأولى والثانية التي ذهب ضحيتهما ما يقارب 60 مليون إنسان بين مدني وعسكري، إلّا نتاجًا لتخطيط تجار السلاح اليهود وأعوانهم، وما تلاه بعد ذلك من حروب إلى يومنا هذا هو من تدبيرهم وتخطيطهم. لكن اليوم يدرك الشرفاء في المجتمع الدولي أن هذا المرض الخطير والفيروس الملعون الذي أنتج لنا الصهيونية العالمية يستحق العُزلة.

لقد كشفت هذه الشخصية في ممارساتها خلال حرب غزة عن كل ذلك وأكثر، ولقد كانت ممارسات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصة مماطلته وخداعه والتسويف الذي يتبعه مرتبطاً تمامًا بما ذكرناه من سيكولوجية الشخصية اليهودية المراوغة التي تسعى دائمًا للالتفاف على الأمور وقلب الحقائق وتزييف الواقع.

والمُطَّلِع على سيكولوجية الشخصية اليهودية سيجد أن مشكلتها ليست مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني فحسب؛ بل مع شعوب العالم، فهي شخصية ذات عمق نفسي يمتد لآلاف السنين؛ حيث يأتي الخداع والتمرد والعصيان والعدوانية والتعصب الشديد واحتقار الآخرين في مقدمة سماتها. وبرغم أنَّ اليهود يتفقون في أمور مشتركة إلّا أنهم يختلفون فيما بينهم اختلافًا شديدًا وهذا ما ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى: "تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى".

إنهم أصحاب أخلاقيات شاذة اكتسبتها الشخصية اليهودية من خلال عيشها بين الشعوب وما كانت تعانيه من احتقار وتعرضها لتصبح منبوذة جرّاء ممارساتها من خداع وجشع وارتكاب أسوأ الأفعال، فكانوا في أوروبا أقلية مُحتَقَرة لدرجة أن بعض المجتمعات تخلصت منهم.

ومن سمات هذه الشخصية الرغبة في الصراع مع الآخرين، وذلك بسبب عدم مقدرتهم على التعايش السلمي مع المجتمعات البشرية، مما أنتج فيهم شعورًا بالتميُّز الزائف مما يجدونه في أساطيرهم وكتبهم المُحرّفة، لأجل ذلك اتسموا بعدة صفات دنيئة، ومنها نقض العهود والمواثيق. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم من خلال علاقتهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة مصداقًا لقوله تعالى: "الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ" (الأنفال: 56).

لقد اجمعت البحوث التاريخية والاجتماعية والأنثربولوجية على وصم هذه الجماعة من البشر بعدم النقاء، رغم أنهم يقولون إنهم "شعب الله المختار"، مما أثار ضدهم عداوات المجتمعات والشعوب الشريفة حول العالم.

ومن سماتهم أنهم يسيطر عليهم الخوف والرعب الداخلي بجانب ميلهم للعزلة، فيقومون بتشييد الأسوار والجدران والحصون حولهم، وليس أدل على ذلك من تشييدهم الحصون بمناطق سكنهم في المدينة المنورة كما ورد في القرآن الكريم: "وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا" (الأحزاب:26)، وفي العصور الفائتة انتشرت حارات اليهود حيثما وُجِدوا في المجتمعات البشرية.

والشخصية اليهودية مهما كانت مدججة بالسلاح إلّا أنها تخشى المواطن الفلسطيني الأعزل، وأكثر من ذلك تخشى الطفل الفلسطيني الصغير؛ لأنها ترى فيه نهايتها وزوالها ولو بعد حين؛ فالشخصية اليهودية شخصية خائفة متوجسة، تفتقد للأمان وتُظهر قوتها في إثارة الرعب عند الآخرين، ومن ذلك قصفهم وإبادتهم للعُزل في عدوانهم على غزة بشكل مريع أذهل العالم، وهذه الشخصية تتعرى يومًا بعد يوم أمام العالم بما تُكنه في باطنها من أحقاد تتسبب في تدفق أنهار الدم الفلسطيني الذي لم يتوقف إلى هذه اللحظة في قطاع غزة.

ومن خلال ما سعينا لسرده عن الشخصية اليهودية التي امتزجت بها الطِباع الصهيونية، يمكننا أن نستنتج كيف يتعامل معها المناضل الفلسطيني يحيى السنوار في المفاوضات وفي الميدان، إذ يقوم بالضغط عليهم ميدانيًا ونفسيًا لتركيعهم وإجبارهم على الموافقة على شروطه، فلقد درس الرجل عقلية المجتمع الإسرائيلي بدقة متناهية خلال فترة سجنه؛ لدرجة أنَّه تعلّم لغتهم وقرأ كتب علمائهم ومقالاتهم وإصدارات كُتّابهم وأدبائهم، وشكّل رؤية خاصة به، يجابههم بها في الميدان.