مِصْرِيُّونَ فِي سَلْطَنَةِ عُمَانَ (4)

السفير خير الدين عبداللطيف

 

محمد السعداوي

(كل بعثة دبلوماسية لها أهداف تحققها، ولا بُد من أن تكون تلك الأهداف معروفة ومُعلنة وواضحة، لأنَّ العمل الدبلوماسي تحكمه قواعد الشفافية والمساءلة).

(إن تطوير وتحديث العمل الدبلوماسي لا يتوقف على وجود مفاهيم ومُعطيات جديدة في العلاقات الدولية المتغيرة بصفة مستمرة).

هذه بعض القواعد التي يسير عليها العمل الدبلوماسي، العمل الذي يبدو للناظر إليه شيئا جيدًا وراقيًا فقط، ولا نبصر منه إلا وجهه الحسن (الأناقة وحسن المظهر ودبلوماسية الحوار) وغيرها من الصفات التي يفترض أن يظهر بها الدبلوماسي بين أفراد البعثة، وعند الدولة المبعوث إليها.

الدبلوماسية فنٌ يجمع بين السياسة والإدارة والتواصل الجيِّد، لذلك فلا يجيدها كثير من العاملين في هذا الحقل الهام.

وعندما نجد دبلوماسيًا ناجحًا أو سفيرًا مُتميزًا، ندرك مدى أهمية ذلك وتأثيره المباشر، على العلاقات مع الدولة المضيفة أولا، وثانيا على أبناء الجالية المصرية في تلك الدولة.

وأحسب أني كنت شاهد عيان على حُسن أداء عدد من الدبلوماسيين والسفراء المصريين في سلطنة عمان لمدة طويلة، وكان منهم سفراء ودبلوماسيون متميزون يجب أن نوفيهم حقهم، جزاء تميزهم وما قدموه من خدمات جليلة لمصر والمصريين في سلطنة عمان وغيرها من البلدان.

وأذكر مثالا لدبلوماسيين متميزين كانت لهم بصمات واضحة طوال مدة عملهم في سلطنة عمان ألا وهم السفير خير الدين عبد اللطيف، والسفير حازم حنفي، والسفير محمد غنيم، رغم الفاصل الزمني لتواجدهم في سلطنة عمان واختلاف عمل كل منهم، إلا أنهم- وأحسبني على صواب- لم يتكرروا وحققوا الكثير من التميز في العمل الدبلوماسي بالسفارة المصرية في مسقط.

السفير خير الدين عبداللطيف عطا الله، ذلك الرجل الذي بدأ حياته الدبلوماسية وهو أول دفعته بمعهد الدراسات الدبلوماسية، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي المصري، وتدرج في المناصب، وصولًا إلى درجة سفير من الفئة الممتازة، وعمل سفيرًا لمصر لدى كل من جمهورية الهند، وسلطنة عُمان، وقبل ذلك عمل بسفارات مصر بالخارج في لندن، وكنشاسا، وأديس أبابا، وموسكو، والدوحة.

وخلال فترة العمل بديوان عام وزارة الخارجية المصرية، شغل الدكتور خير الدين عبداللطيف عددًا من المناصب المهمة، فعمل مديرًا لمكتب الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية سابقًا، كما عمل مستشارًا مُنتدبًا بمكتب رئيس الجمهورية، ونائبًا لمساعد وزير الخارجية لشؤون المُعاهدات الدولية، ومساعدًا لوزير الخارجية ومديرًا لمعهد الدراسات الدبلوماسية، ومساعدًا للوزير للشؤون المالية والإدارية، كما عمل عضوًا بمجلس مساعدي وزير الخارجية.

والسفير خير الدين عبد اللطيف شغل العديد من المناصب القيادية أهمها مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، ونائب رئيس مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر سابقًا، ومستشار مجلس أمناء جامعة ظفار للتطوير سابقًا.

كما حظي بخبرات متنوعة في المجالات الدبلوماسية والأكاديمية والإدارية، كذا في مجال التدريب والقضايا الإنسانية والبيئية والتنمية المستدامة.

وحصل سعادة السفير على العديد من شهادات التقدير والجوائز والأوسمة، أهمها وسام النعمان من الدرجة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد، وجائزة نهرو لعامين على التوالي.

وقد كان لسعادته طوال فترة عملة بسلطنة عمان رؤية متميزة لدور السفارة والجالية بدأها كما يلي:

* توطيد علاقات الجالية المصرية

لم يكن غريبًا أن تجد سعادة السفير يشارك في دورة رمضانية لكرة القدم، أو يلبي دعوة إفطار يقيمها المصريون العاملون في جامعة السلطان قابوس، أو حضور حفل أو تكريم لبعض العاملين في المدارس الحكومية أو الخاصة بالسلطنة، أو الذهاب في زيارات ودية الى وزارة التربية والتعليم في نهاية السنة الدراسية عند وجود إنهاءات للمعلمين المصريين وكانت كلها بفضل الله إيجابية.

لذك فقد ساهم قربة ومعرفته المباشرة بأبناء الجالية في حل كثير من المشاكل، ومعرفة كثير من أوجه التعاون بين مصر وسلطنة عُمان فقد زاد عدد المبعوثين المصريين إلى سلطنة عمان طوال فترة وجوده، كما تَدين الجالية المصرية له بالفضل كأول سفير طلب استبدال رخصة القيادة المصرية برخصة قيادة عمانية؛ حيث قام سعادته بدعوة قيادات المرور بسلطنة عمان الى التعرف على أنظمة المرور في مصر وطرق استخراج الرخص، والتطور المواكب للأنظمة المرورية الحديثة.

وقد سن سعادته سُنة حسنة لم تك من قبله، وسار عليها بعض السفراء وأهملها كثيرون منهم، ذلك أنه دأب على إرسال بعضًا من العاملين بالقسم القنصلي الى مختلف المحافظات، مثل ظفار والظاهرة وشمال الباطنة وجنوب الشرقية، وغيرها، لإنجاز التصديقات والتوكيلات وكل أعمال القسم القنصلي، كي يوفر على كثير من أبناء الجالية مشقة السفر إلى مسقط، وكان كثيرًا ما يصاحب تلك البعثة بنفسه للقاء أبناء الجالية وحل مشاكلهم.

* لقاءات وندوات بالسفارة المصرية بمسقط

كان سعادته شديد الحرص على اللقاء مع أبناء الجالية المصرية في كل المناسبات، بدعوتهم إلى مقر السفارة باعتبارها بيتًا لكل المصريين، فنُظِّمت ندوات ولقاءات ثقافية وفنية، للمصريين والعمانيين، ودعا إلى السفارة كل مسؤول أو ضيف مصري يزور السلطنة، ونظم لهم لقاء بأبناء الجالية للتعرف على أحوالهم وعرض مشاكلهم في حوار مفتوح دون اية قيود، وأذكر أننا التقينا أكثر من مرة بأكثر من وزير للخارجية ووزراء آخرين وبالدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس، ومثقفين وكتاب ورياضيين وإعلاميين وفنانين.

* العلاقات المصرية العمانية

لم يكن سعادته يدخر جهدًا أو يتوانى لحظة عن العمل الدؤوب كي يرفع اسم مصر عاليًا، وكان الملف الاقتصادي من أهم أولوياته، وشهدت بعثتنا الدبلوماسية تطورًا جادًا ولافتا ومؤثرًا طوال وجوده، يكفي أن البعثة كانت تتضمن مستشارًا تجاريًا وإعلاميًا وثقافيًا، إضافة لنائب للسفير وقنصل ومستشار سياسي، فكانت بعثة وبحق مؤثرة ومتواصلة وناجحة بشهادة الجانب العماني وكثير من العمانيين الذين لمسوا دورًا ظاهرًا للبعثة المصرية في تلك الفترة، وكانت علاقاته الرسمية والودية بغير تكلف عاملًا مهمًا في نجاح كل مساعيه، المباشرة وغير المباشرة لحل وتذليل العقبات في مختلف الأصعدة.

وإن كان سعادة السفير خيرالدين عبداللطيف هو المايسترو والقائد، إلّا أنة والحق يقال كان كل أعضاء البعثة على تناغم وتواصل أثمر عن نجاحات متعددة.

كانت فترة  زاخرة بالفعاليات المصرية، فقد أقيم وبانتظام عدد كبير من المعارض التجارية المصرية، شاركت فيها شركات حكومية وخاصة بارزة، وأقيمت مهرجانات وفعاليات ثقافية وفنية أظهرت الدور الثقافي والفني لمصر كقوى ناعمة، وكان لها أثرًا كبيرًا على تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية المصرية العمانية.

حقًا.. الذكري الطيبة والعمل الجاد لهما أثر لا ينسى مهما تعاقبت الأيام، والقائد الدبلوماسي الذي يُحسن تمثيل بلده، يبقى أثره خالدًا في أعماله وشاهدًا على نجاحاته.. فشكرًا سعادة السفير خير الدين عبداللطيف على ما قدمته لمصر وللمصريين.

 

تعليق عبر الفيس بوك